العقوبات الأمريكية والبريطانية الجديدة ضد روسيا .. غاياتها السياسية والإقتصادية

العقوبات الأمريكية والبريطانية الجديدة ضد روسيا .. غاياتها السياسية والإقتصادية

يومآ بعد يوم يتغيّر مفهوم اثر العقوبات الإقتصادية على البلدان التي تقاوم السياسة الأمبريالية الأمريكية , فمن المعروف انها توجّه نحو كيان واحد لغرض تدمير اقتصاده لأسباب عديدة تفتعلها امريكا يمكن ان نميّزها من خلال العقوبات  التي فرضتها على كوبا وفينزويلا والعراق وأخيرآ ايران الإسلامية ,

ففي كوبا تم فرض الحصار الإقتصادي عليها عام  1962للأسباب السياسية التالية ; أولآ  , تأميم مصالح الشركات الأمريكية العاملة في كوبا من قبل كاسترو عام 1960 من دون تعويضات حسب إدعاءات الحكومة الأمريكية , ثانيأ ;حيازة كوبا على الصواريخ النووية التي نصبها الإتحاد السوفيتي السابق في الأراضي الكوبية لأغراض الردع والتهديد بضرب امريكا  ,

مما سببت ازمة عرفت بالعالم بأسم” أزمة الصواريخ , أما أسباب الحصار الواهية والمزيفة التي تدعيها امريكا هي ; أولآ ,  فرض واجب احترام والعمل بقوانين حقوق الإنسان في كوبا , ثانيآ ; فرض تطبيق الديمقراطية والحرية , اما لماذا نصب الأتحاد السوفيتي تلك الصواريخ ؟ فالسبب كان لإفشال اي غزو محتمل ضد كوبا , نظرآ للتهديدات التي كانت تطلقها امريكا ضد هذه الجزيرة الكبيرة الواقعة في البحر الكاريبي ورئيسها فيدل كاسترو  , والتي فُسِّرت ان مايلوح بالأفق هو نوايا مبيّتة لضم كوبا اليها ,

ولكن مابدا في كل مرحلة يتجدد فيها فرض العقوبات على كوبا  حتى بعد سحب تلك الصواريخ منها ,  انها لم تكن مؤثرة على الإقتصاد الكوبي , لكن كانت مؤثرة على مصالح الشركات الأمريكية المرتبطة بالإقتصاد الأمريكي التي ضعفت حتى في دعمها للحصار ضد كوبا , وهي بالتالي ذات تأثير على الإقتصاد الأمريكي , وهذا ماجعل الشعب الأمريكي , أيضآ , يتهاون عن دعم تلك العقوبات ,

وبذلك اقتربت امريكا وخاصة في حقبة الرئيس اوباما من كوبا , ما ادى الى التقارب ومن ثم الى اصدار الأمر برفع الحصار عنها , ولكن لم يلبث القرار حتى عاد بأمر من الرئيس ترامب نكاية بكل قرارات اوباما العديدة التي احدثتفيما بعد مشاكلآ سياسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ولغاية الوقت الحاضر,

مايهمنا في هذا العرض , ان امريكا عندما فرضت الحصار على كوبا عام 1962 , لم تبلغ بنتائجه من الناحية التجريبية على تغيير السياسة الخارجية لفيدل كاسترو , مثلما بلغت بالحصار الآن على روسيا  , لأن كوبا في ذلك الوقت لم تكنداعمة او تخوض  حربآ مع أيٍّ من جيرانها , وبذلك لم تمر بمرحلة استنزاف اقتصادي كالذي يعاني منه بوتن روسيافي حربه مع اوكرانيا جراء فترة الحصار المفروض عليهاالآن ,

وهذا يعني ان الحصار الأمريكي التجريبي الثاني بعد كوباوالمفروض على روسيا بالأيام الأولى لغزوه لجارته اوكرانيا كان فعّالآ وناجحآ  , بدلالة أن روسيا غيّرت من سياستها الخارجية مع سوريا , إذ لم تعد تحتمل مساعدة نظام بشار على الرغم من مقدرتها كدولة عظمى على صد هجمات الإرهاب ,

كما فعلت قبل خمسة اعوام او اكثر ,  ولو كانت بلا عقوبات اقتصادية او حرب لما ارتكبت هذا الخطأ الكبير الذي شجع امريكا على تشديده عليها ثانية ا لغرض تحقيق اهداف اخرى مبنية على رد الفعل الذي احدثه اخيرا في تغيير سياسة روسيا ,

ولكن الذي تحججت به روسيا عن عدم دعم نظام الاسد ,كان بسبب صعوبة الظروف من جراء الحرب وعدم توفر الخطط للعودة للقتال ثانية في الخندق السوري , اما الحقيقة فهي هروب الأفكار السياسية  وضعف الإرادة بسبب ضعفها الإقتصادي , فضلآ عن اعتقادها لا تأمن مايخبئ لها المستقبل  ,

لذا تخلّت عن بشار الأسد الذي راح ضحية استبدادهوضعف شخصيته في ادارة البلاد اولآ وضحية فقدان الدعم الروسي جراء العقوبات الإقتصادية ثانيآ , وتكالب تركيا وقطر على اقتحام سوريا للإستفادة من ثرواتها الطبيعة واستغلال تركيا للإدارة السورية الجديدة في قضية ترسيم الحدود ونهب الثروات ثالثآ ,

إذن الحصار نجح كإستراتيجية تبادلية مفادها أضغط هنا للإنفراج هناك , وبها تدفع الدول بمحاولة تجريبية اولى وثانية لغاية تغيير ادائها السياسي بما يخدم المصالح السياسية الأمريكية , ومثالها الى الآن نشهده في تهديدها للعراق   عند محاولته تحديث تسليح الجيش العراقي ,

لذلك وكما اشرنا ان امريكا شددت العقوبات على روسيا منذ الجمعة المصادف العاشر من كانون الثاني 2025  ومعها بريطانيا وبدعم من دول الأتحاد الأوربي , لكي تزيد , هذه المرّة , من ضعف الدعم الروسي الى إيران الإسلامية , ولكن لماذا ؟!

الجواب :  لأنها بفرض عقوبات شديدة  اخرى على القطاع النفطي المتمثل بشركة غاز بروم  والقطاع الغازي المتمثل بشركة سورجوتنفتي اللتان تنتجان اكثر من 23 مليار دولار سنويآ لصالح الإقتصاد الروسي ,  واشخاص ممن يمتلكون كيانات اقتصادية ترتبط بهذين القطاعين المهمين , تأمل امريكا ان اعتداءاتها في المستقبل على ايران سواء منها او من جانب الكيان الصهيوني , ترغم روسيا من عدم مساعدتها لوجستيآ ,

وهذا بالطبع درس استقرائي من تجربة الحصار التجريبي الأول على روسيا ونتائجه المتحققة على الأرض السورية , نستنبط منه , ان غاية الولايات المتحدة الأمريكية من تشديد الحصار على روسيا هو لتزيد من  ضعفها , لأن امريكا من المحتمل تعدّ في هذه الأيام او المستقبل القريب عملآ خفيآ سواء عسكري اوغير عسكري ضد إيران الإسلامية , تأمل منه ان ينجم عن نتيجة مشابهة لما حدث في سوريا , بشرط تسلب به , أي بالحصار , قدرة روسيا  عن دعم ايران كما سلبتها عن دعم نظام الأسد ,

لنجاح الحصار الأول التجريبي على روسيا , والذي شجعها على الحصار الحالي على القطاعين النفطي والغازي , والحكومة الإيرانية لاشك تعي ذلك , بل وينبغي ان تعلم ان الحصار الإقتصادي اصبح لدى امريكا سلاحآ ذو حدين , حدٌ تحارب به البلد المستهدف , وحدٌ تحارب به البلدان ذات العلاقة الجيوسياسية والإقتصادية بذلك البلد ,

ونستنبط أيضآ , ان الخطر لاشك محدقآ بالعراق , لأن من المسلّم به ان العراق لايذهب عند تعرّضه للتهديدات الإرهابية الى غير إيران , لذلك ينبغي الحذر في هذه الحقبة وخاصةمن غدر اردوغان في الجبهة الشمالية اولآ , ومن عواقب الحصار الإقتصادي المفروض على روسيا ثانيآ ,

ختامآ , من البديهي ان الحصار الإقتصادي الخانق للشعوب ينتهك قوانين حقوق الإنسان , بل ويضر بالحالة الصحية للشعوب  ويستنزف ثرواتها , وللشعب العراقي تجربة مريرة وقاسية معه ومازالت تأثيراته السلبية على البيئة والثقافة والحياة الإجتماعية موغلة بالبلاد ,

لذلك ينبغي على الشعوب المهددة به ان تتخذ الأفكار الناجعة في القرارات والإجراءات السياسية  وضمن سياقاتها العلمية المدروسة , من دون ان تخضع لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمد الى اجبار حكوماتها على تغيير سياساتها وخاصة ضد لقيطتها دولة الكيان , لكي تهيمن على العالم , وعندئذ ستقوم  بتنصيب او تغيير الإدارات السياسية لدول العالم كما تشاء ومن دون انتخابات , أي انها تعتمد بالتغيير على الملاحظة وعدم الأهلية فحسب ,  

وما العقوبات التي فرضتها على اعضاء المحكمة الجنائية الدولية اخيرآ بسبب قضية قراراتها التي ادانت بها حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني التي نفذها المجرم نتياهو ونديمه المجرم وزير الدفاع غالانت , والتي اعتبرتها غير شرعية  ,

إلا حقائق كافية تهدف الى بلوغ تلك الهيمنة من ناحية , ووسيلة لجعل القضاء الدولي خاضعآ تحت جناحها لتعكس مقررات غرائزها في المستقبل كما تفعل مع دولة الكيان , لأن من اهداف الحصار على روسيا ,

هو تغيير سياستها المتّبعة ضد اوكرانيا لترضخ في ما بعد الى الهيمنة عليها , وسيكون الحصار الإقتصادي عندئذ على الدول المتناقضة سياسيآ مع امريكا بمافيها الصين الشعبية لايطول اكثر من ايام قلائل على إستسلامها , وهذا هو غايتها وهدفها النهائي ومناها الذي تصبو اليه لتلعب بالوجود الكوني كما تشاء من ناحية اخرى .

أحدث المقالات

أحدث المقالات