18 ديسمبر، 2024 7:52 م

العقل زينة.. يا حكومة!

العقل زينة.. يا حكومة!

الوضع الأمني في كركوك وطوزخرماتو ومناطق أخرى غير مستقرّ بعد أكثر من شهرين من”تحريرهما”، بل هو وضع مضطرب ومرشّح ليكون أكثر اضطراباً، مع ظهور تنظيمات وجماعات مسلحة غير نظامية وغير محدّدة الهوية.
كان من اللّازم أن تتوقع الحكومة الاتحادية هذا، وأن تنتهج سياسة حيال إقليم كردستان، هي غير سياسة التعويل على القوة المتّبعة الآن والثابت خطلها وفشلها على مرّ الدهور والأحقاب.
لا يوجد خيار لحلّ المشاكل، أيّاً كان نوعها ووزنها، أحسن وأفضل وأسلم وأضمن من خيار الحوار الذي ينبغي التعويل عليه، وإنْ طال به الزمن.
حكومة حيدر العبادي تبدو”راكبة راسها”في ما يتعلّق بالمشكلة القائمة مع إقليم كردستان.. واضح أنها تعوّل على الوسائل العنفية، إنْ باستعمال السلاح أو باللجوء إلى الحصار والعقوبات الاقتصادية، غير مُدركة أنّ هذا يُمكن له أن يأتي بنتائج عكسية. في كركوك وطوزخرماتو وغيرهما ثمة مؤشرات متنامية على هذا، مع ظهور تنظيمات مسلّحة لم تُفصح عن هويتها وتتبنّى شعار”التحرير”.
سيكون من قلّة الفطنة أن لا يذهب تفكير الحكومة إلى أبعد من استخدام القوة المسلّحة وانتهاج سياسة الإرغام، فهذا ممّا لا يحلّ مشكلة في الغالب، بل الثابت أنه يفاقمها ويزيدها تعقيداً ويؤخّر استحقاق الحلّ إلى ما بعد تقديم خسائر مادية وبشرية جسيمة. تاريخ العراق كله شاهد. القوة الغاشمة ما حلّت مشكلة مع الكرد على وجه الخصوص لا في العهد الملكي ولا في عهد عبد الكريم قاسم ولا في عهد البعث الأول ولا في عهد العارفين.. أما في عهد البعث الثاني (عهد البكر – صدام) فإن الإفراط المسعور في استخدام القوة ضد الكرد حدّ الإبادة الجماعية، انتهى إلى كارثة وطنية كبرى لم يزل الشعب العراقي بكل قومياته ومكوناته الدينية والمذهبية والسياسية يدفع ثمنها باهظاً حتى الساعة.
الحركات المسلّحة التي بدأت للتوّ نشاطها في كركوك وطوزخرماتو وسواهما يُمكن أن يتّسع تأثيرها وينتقل إلى مناطق أخرى، ما يتسبّب في إنهاك قواتنا العسكرية والأمنية، فيما لم تنته هي تماماً بعد من حربها الضروس ضد داعش وسائر المنظمات الإرهابية، فيما لم تشرع حكومة العبادي بعد بتنفيذ تعهداتها بإعادة الإعمار ومكافحة الفساد.
تستطيع حكومة العبادي بكلّ يُسر أن تواصل سياسة (ركوب الراس) والتزام العناد إلى أبعد الحدود، معوّلة على القوة العسكرية.. لكن لن تكون بنفس اليُسر والسهولة مواجهة العواقب المُحتملة لسياسة كهذه.. صدام حسين مثلاً استسهل مهاجمة إيران فشنّ حرباً ضدّها، لكنّه لم يستطع وقف الحرب بإرادته ومشيئته. وصدام كرر الحماقة ذاتها بغزو الكويت، بيد أنه لم يتمكّن من فرض إرادته هذه المرة أيضاً، بل لم يكن في وسعه حتى تنظيم انسحاب آمن لقواته.. وصدام، قبل ذلك كلّه وأثناءه وبعده، جرّب كل وسائل القوّة الفتّاكة ضد الكرد ولم يحقّق نجاحاً بأيّ مستوى. النتيجة في الأحوال كلّها أنّ العراق اشتعل بأكمله في نار يتواصل سعيرها إلى الآن.
…. والعقل زينة.