العراقيون حضاريا ( ماخذين مقلب بأنفسهم ) فهم يرددون الجلجلوتية والإسطوانة المكررة : نحن شعب الحضارات سومر وبابل وآشور ، علما هذه الحضارات كانت قد مارست أبشع جرائم الغزو والإبادة فيما بينها وضد الشعوب الأخرى حسب ما جاء في قصة الحضارة / ول ديورانت ، والمثير للسخرية ان بلد العنتريات الحضارية رغم مضي حوالي ( 100) عاما على تأسيس الدولة العراقية المعاصرة ومع هذا لايوجد فيها مجاري لتصريف مياه الأمطار ، فأين العقل الحضاري – الوطني الذي يهتم بشؤون حياته اليومية البسيطة مثل : المجاري ورفع ( الزبالة ) وطبعا نحن بعيدون عن التطور الصناعي والإبداع التكنولوجي لأنه هذا النوع من التقدم بحاجة الى عقل وروح وطنية متمردة على النمط التقليدي من الفكر وهو ما ينقصنا !
بينما دولة الإمارات العربية التي يطلق على شعبها ( البدو ) وليس لديهم لاحضارات ولا تاريخ عريق .. نجح هؤلاء البدو في بناء دولة رائعة في كل شيء وهي الأجمل من بين الدول العربية كافة ، بل دولة الإمارات أفضل تجربة سياسية في تاريخ العرب الحديث من حيث الإستقرار و الإزدهار ورفاهية المواطن ، ونجاح الإمارات اعتمد على ثلاث أركان هي :
– التحرر من القضايا القومية .
– التحرر من الفكر الديني .
– التحرر من شعارات السيادة ، وتفضيل مصلحة البلد في أهمية عقد تحالفات مع بريطانيا وأميركا .
العقل العراقي حتى لو كان شريفا ووطنيا ، لكنه يعاني من محددات قاتلة لا تنسجم مع حقيقة السياسة التي تتطلب البحث عن مصالح البلد وفق الممكنات المتاحة ، وأن يكون معيار الساسة ليس الأيديولوجيا ، وإنما المعيار الوحيد هو مصلحة الوطن فقط .
من سجون العقل السياسي العراقي التقليدي مايلي :
– هيمنة القضايا القومية التي تقف عائقا في الإنفتاح على المجتمع الدولي والإستفادة منه .
– هيمنة الدين وإعاقته للفكر السياسي العملي البراغماتي .. الدين مدمر لفرص تحالف العراق مع الدول الكبرى والحصول على مساعدتها لبناء البلد.
– النظرة المتخلفة الى العلاقات الدولية والتحالف مع الدول الكبرى مثل أميركا .. إذ يعتبر العقل السياسي العراقي التحالفات مع الدول الكبرى التي نحتاجها لبناء بلدنا على أنها علاقة إستعمارية و مساس بالسيادة ونهب للثروات .
– التمسك ببقاء كردستان ضمن الدولة العراقية .. وكردستان تمثل إعاقة كبيرة لإستقرار وتطور الدولة العراقية ، والمفروض بالعراق يعسى الى فصل كردستان عنه من جانب واحد رغما على معارضة إيران.
مؤسف العقل العراقي ظل جامدا حتى لدى الوطنيين الشرفاء ، والأسوأ من هذا الجالية العراقية المهاجرة الى دول أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا .. حالها حال الجاليات العربية الأخرى فشلت في الإرتقاء الى مستوى الحضارة من حيث نظرتها الى البشر والحياة ، والسياسة والعلوم والحريات العامة والديمقراطية ، وتجد العراقي حتى لو كان متعلما أكاديميا فهو على هامش قيم الحضارة ليس لديه قضية كبرى في حياته تخدم الإنسانية ، وكل همه كيفية جمع المال وممارسة الأمراض الإجتماعية التي جلبها معه من مستنقع بلده الأصلي !
في الدول الغربية المتحضرة .. تجد العراقي مشغولا بالثرثرة في التليفون وتداول النميمة والإشاعات والكلام العدواني ، وقضاء معظم الوقت في المقاهي والزيارات الشخصية ، والحسينيات والمساجد ، ومشاهدة التلفزيون ، ونادرا ماترى العراقي في المكتبات العامة ، العراقي يعيش في قلب أوروبا وأميركا وهو يفكر ويتصرف بعقل طائفي قومي عشائري قبيح ، وإذا كان شيوعيا فهو يعيش في خيرات الغرب ولايزال عقله ملوثا يشتم الغرب ويصفه بالرأسمالية المتوحشة ، والإسلامي بعد وصوله وتنعمه بثروات الغرب يتعامل معه على انه كافر يستحق منه الغدر والخيانة ، ومعظم العراقيين يمارسون الإحتيال على القوانين والغش وخيانة بلاد اللجوء ونكران جميلها عليهم .
والسؤال : إذا كان العراقي عاش في أرقى الدول المتحضرة الديمقراطية ومازال مشوه عقليا وسلوكيا .. فكيف نرجو من العراقيين في الداخل ان يحدث لديهم قطيعة معرفية مع الماضي ، وإنبثاق ثورة تنتج فكر سياسي براغماتي متطور على غرار فكر ساسة دولة الإمارات ، وليس اليابان وفرنسا وبريطانيا والمانيا ، دعونا نتواضع ونحاول تقليد نجاح الإمارات في فكرها وسلوكها السياسي .