عدم الفصل ما بين السيادة والمصالح هو سبب تعاسة العراق المزمنة !
لست متأكداً فيما إذا ستظل بقايا الدولة العراقية المكونة من مدن: الوسط والجنوب والغربية كما هي بعد إنفصال كردستان الحتمي ، أم ان التمزق والخراب سوف يحل على الجميع ، فلا شيء يبشر بالخير ، والعراقيون بارعون في تدمير أنفسهم ويبدو مقولة ان العراقيين ( متصير إهلهم جارة ) فيها نسبة من الصحة ، حيث ترى الشعب وساسته يتصرفون عكس المنطق والعقل وضد المصلحة الوطنية !
لم تتعود الطبقة السياسية والجماهير في العراق على التفكير الوطني ، بل كانت أسيرة التوجهات الأيديولوجية المضادة لصميم فكرة الوطنية والمتعارضة مع مصالح البلد ، وكانت التوجهات السياسية الجماعية على الصعيد الحزبي والحكومي لا تتصرف من منطلق وطني صرف ، بل وفق منطق الأيديولوجيا والمقهى والعشيرة والمسجد ، وتقديس الأفكار والمقولات الوعظية والخطب ، وفي نفس الوقت لاتجد مكانا لمصالح الوطن ، ولقد مرت كوارث على العراق في هذا الصدد مثل : التضحية بمصالح البلد لحساب موسكو بسبب ضغط الحزب الشيوعي الذي رفع شعار : (( الأممية )) ثم كارثة القوميين الذين كان جعيرهم ليل نهار ينادي للتفريط بالعراق وثرواته من أجل (( الوحدة العربية )) ، وأخيرا ما يقوم به الإسلاميون الشيعة حاليا من تدمير للعراق وسرقة ثرواته وتقديمها الى إيران بحجة (( وحدة المذهب والأمة الإسلامية )) .
كان الخطأ الأكبر الذي رافق الحياة السياسية في العراق منذ تأسيس الدولة عام 1921 هو ( عدم الفصل بين السيادة والمصالح ) وكنا ولانزال ندفع الخسائر الباهضة بسبب غياب هذا الفصل لدى العقل السياسي العراقي المحشو بالغباء والخيانة ، وكانت تغيب حقيقة ان الدول بحاجة الى التضحية بالسيادة إذا ماتطلبت مصالحها ذلك ، ولم نستفد من تجارب بريطانيا العظمى هذه الدولة الكبرى حينما وجدت نفسها مهددة عسكريا من الخطر السوفيتي تنازلت عن السيادة وسمحت بعقد إتفاقيات عسكرية مع أميركا ومن ضمنها إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها ، وكذلك فعلت المانيا الغربية حينما مع أميركا لحماية نفسها ، ونفس الأمر حصل بين أميركا و اليابان وكوريا الجنوبية وأيضا دول الخليج العربي .
في العراق بعد دخول الإنكليز وتحريرنا من الإستعمار العثماني الذي دام أكثر من 400 سنة وكنا عبارة عن مدن وقرى محطمة ولم تتشكل الدولة بعد ، وكنا بحاجة الى الخبرات البريطانية وحماية جيشها ، الذي حصل هو تحرك رجال الدين الإيرانيين وشيوخ العشائر قطاع الطرق وحرضوا الغوغاء ضد الإنكليز فيما يسمى ( ثورة العشرين ) وبعدها إنقلاب 14 تموز 1958 بحجة السيادة ونسوا ان مصالح العراق في تلك الفترة هي الأهم ، وتكرر الأمر عند دخول أميركا عام 2003 وما بعدها ، والنتيجة أضعنا فرصا ذهبية للارتباط بتحالفات مع الدول الكبرى والإستفادة منها في بناء الدولة العراقية بدل خرابها الحالي !
لاشيء ينقذ العراق سوى الفصل مابين السيادة والمصالح و إعتراف الساسة والشعب بالضعف وعدم الكفاءة والعجز في إدارة شؤون البلد ، والحاجة الى مساعدة الدول الكبرى مثل : بريطانيا وأميركا ، والتصرف حسب ممكنات السياسة ، وليت العراقيين أصحاب حضارات : سومر وبابل وآشور .. يتعلموا من ( البدو) في دولة الإمارات الحكمة السياسية والوطنية والنجاح في إدارة شؤون بلدهم ، وكيفية الفصل ما بين السيادة والمصالح .