19 ديسمبر، 2024 12:47 م

العقل السليم في الجسم الأمريكي غير السليم

العقل السليم في الجسم الأمريكي غير السليم

من يعرف الحياة السياسية الأمريكية من الداخل لابد أن يتفق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين علق على وعود هيلاري كلنتون لو فازت بالرئاسة، حيث قال، ” إن رؤية المرشح لكثير من الأمور تختلف عندما يفوز”.

فأول وأهم ما يعرفه الضالعون بالشؤون الأمريكية أن المصالح المتقاطعة والمتشابكة، واللوبيات، والشركات، ومراكز القوى الدولية، كلها مجتمعة، عواملُ تخط للرئيس ولإدارته الخطوط الحمر والخضر، وترسم ما يستطيع فعله، وما لا يستطيع. بعبارة أدق، تصبح عينُه بصيرة، في كثير من الحالات، ويده قصيرة.

وقد راقبتم معي جميع رؤساء أمريكا المتقاعدين. فأنت تعتب على هذا الرئيس أو ذاك، وهو في السلطة، وتبغضه، أو تستغبيه، أو تحكم عليه بعمى البصيرة، بسبب مواقفه أو قراراته في أمور عديدة تظن نفسك فيها الأكثر صوابا منه، والأذكى، والأشد إرادة وعزيمة.

ولكنك، بعد أن تنتهي مدة خدمته، ويحال على التقاعد ُتفجأ به رجلا حكيما، عادلا، عاقلا، شجاعا، ثم يبدأ، تصريحا أو تلميحا، بفضح أسرار كثيرة تؤكد لك الحقيقة نفسَها التي ذكرناها في أول هذه المقالة، وهي أن الرئيس ليس رئيسا، وأن وزير خارجيته ليس أكثر من ساعي بريد، وأن فوق كل رئيس رئيس آخر مخفي أقوى منه ومن ضميره ووطنيته وكرامته، في كثير من الأحيان.

فالقوة في أمريكا للمصارف العظمى، وللشركات المئة الكبرى، ولشبكات الإذاعة والتلفزيون والصحافة، ومواقع الإنترنيت، ولوبيات الدول، ولكثير من الشركات الأجنبية كذلك.

في واقع من هذا النوع المأساوي يقف العقل السليم في الجسم الأمريكي غير السليم جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، من أكثر من ثلاثين عاما، شامخا دائما، وقويا، وصريحا، وكأنه يتعمد أن يسبح ضد التيار، زاهدا في الوظيفة، وغير خائف من

فقدان مقعده في مجلس الشيوخ، ذات يوم. فهو، من ثلاثين سنة، في جميع سلوكه ومواقفه وتصريحاته، لا يساير، ولا يداهن، ولا ينافق. سياسي مخالف ومختلف عن السياسيين.

وقف مع العرب، ومع الشعب السوري، ومع السعودية في اليمن، وضد إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وضد روسيا وداعش ونوري المالكي وحسن نصر الله، ليس لسواد عيون العرب والسوريين واللبنانيين واليمنيين، ولكن إخلاصا منه لمصالح دولته، وخوفا على أمن شعبه، الآن وفي العقود الزمنية المقبلة. إنه الحكمة القوية، أو القوة الحكيمة، في معالجة مشاكل الداخل الأمريكي، والخارج، سواء بسواء

هل اطلعتم على آخر مقالاته النارية الصاعقة؟. فى مقال نشره مؤخرا على موقع CNN قال إن ” التدخل الروسى فى سوريا، نيابة عن بشار الأسد، نكسة مُذلة أخرى لأمريكا، ويُحدث تطورا كارثيا فى الشرق الأوسط”.

” انظر فقط. قبل أسابيع قليلة حذرت الإدارة الأمريكية روسيا من إرسال قواتها الى سوريا، ثم فعلت روسيا ذلك”.

” قال وزير الخارجية، جون كيري، إن تصرفات روسيا فرصةً للتعاون، لأننا نتفق على المبادئ الأساسية. ولكن كيف كان رد بوتين على ذلك؟ رد بقصف جماعات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا”.

” حين يقول الرئيس أوباما إنه لا يوجد حل عسكري لهذا الوضع، أو لأي لأزمة أخرى، يتجاهل أن هناك بُعدا عسكريا كبيرا لكل مشكلة. إنه يتجاهل التاريخ. فمعظم الحروب الأهلية انتهت فقط عندما فاز طرف، وخسر طرف آخر”.

” هذا هو حل بوتين العسكري، وهو الآن يفرضه عن طريق القوة الجوية الروسية، وبتحالف مناهض للولايات المتحدة من قوات حزب الله والقوات الإيرانية والسورية البرية، وقد يُوسع هذه العمليات في العراق”.

” يجب علينا أن نعمل الآن للدفاع عن السكان المدنيين وعن شركاء معارضتنا في سوريا”.

” إذا استمر الأسد في استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة فيجب أن ندمر قدرة قواته الجوية على العمل.”

” لإضعاف بوتين في الداخل والخارج، علينا أن ننشر المزيد من المعلومات العامة عن فساد القيادة الروسية، بما في ذلك بوتين نفسه، وكيف تستخدم روسيا الكسب غير المشروع كأداة لسياسة الدولة. وإذا استمر بوتين في استهداف المدنيين السوريين وشركاء معارضتنا، فيجب

علينا تكثيف العقوبات التي تستهدف روسيا، إذ يؤثر انخفاض أسعار الطاقة على الاقتصاد الروسي وعملته، ويجب علينا أن نزيد ذلك”.

” هذه هي الفرصة الأخيرة لأميركا لإحداث تغيير في سوريا، ولتفادي الكارثة الاستراتيجية التي تهدد الآن ميزان القوى العالمية. لا يمكننا التفريط بهذه الفرصة”.

قرائي الأعزاء، ألا تتفقون معي في أن هذا الرجل الأمريكي ثوري حتى العظم من نوع العاقل الحليم، ولكن بقوة وشجاعة وإباء؟.

تُرى كيف كان العالم سيببدو اليوم، بعد ثماني سنوات، لو فاز المرشح (الخشن) جون ماكين عام 2008 على المرشح (الناعم) باراك أوباما؟

مؤكد أنه كان سيكون عالما أرحم، وألطف، وأهدأ، وأقل دمارا وحَرقا وتهجيرا وذبحا بالسكاكين، وقصفا بالبراميل المتفجرة، وخُلوا من طائرات بوتين وبوارجه وصواريخه، وبدون بشار وشبيحته، وبالتالي بدون حسن نصر الله ونوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي، وبدون داعش ونصرة وإخوان مسلمين وأنصار شريعة وحوثيين. (لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء).

أحدث المقالات

أحدث المقالات