العقل الراجح أم القلب النادم؟

العقل الراجح أم القلب النادم؟

كم من مرةٍ اتخذنا قراراً بعد طول ترويٍ وعمق تأمل، ثم ما لبثنا أن بدأنا نجلد أنفسنا بصمتٍ عميق؟
“يا ليتني لم أُقدم…”
“لو اخترت الخيار الآخر لكان خيرًا لي…”
“كم كنتُ متسرعًا…”
هكذا يتسلل الندم كالضيف الثقيل، يمتص من راحة النفس جرعةً بعد جرعة.
لكن، تمهّل…
هل العيب في القرار ذاته؟
أم في زاوية الإدراك التي نطلّ منها على ماضينا؟
في الحقيقة، كثير من الناس لا يخطئون في اختياراتهم، بل في رسمهم لصورة ما كان يمكن أن يكون.
فنحن، بطبيعتنا، نُغالي في تزيين الطرق التي لم نسلكها، ونتجاهل ما قد تضمنته من مشقة،
فنخلق “أسطورة البديل المثالي” التي لا وجود لها إلا في مخيلة المتردد.
وهنا يكمن الظلم للنفس، فالواقع لا يعرف الإطلاقيات، ولا يسير على رغباتنا المجردة.
ثم إننا كثيراً ما نتناسى سنةً كونيةً جليلة:
وهي أنّ القرارات لا تثمر في لحظتها… والنتائج لا تُكشف دفعة واحدة.
فكل قرارٍ يحتاج إلى زمنٍ لينضج، إلى صبرٍ ليثمر، وإلى قدرةٍ على التكيّف مع ما لم نتوقعه.
لكننا، في زمن السرعة، نريد ما يشبه المعجزات الآنية… كأن تُشفى الروح بمجرد ابتلاع فكرة.
ولعلّ الخلل الأعمق هو في ربطنا بين قيمة أنفسنا ونتائج اختياراتنا:
فإن أحسنا، تسلل الفخر إلى صدورنا،
وإن أخطأنا، تولّت الذات معاقبة نفسها دون رحمة.
وهذا الارتباط بين الذات والنجاح الخارجي لا يُنتج إلا هشاشةً داخليةً تضعضع الاتزان.
إذًا، ما الحل؟
هو أن ندرك بأن القرار ليس اختباراً للذكاء، بل تمريناً على التعلم والنضج.
وأن نفهم أن النجاح
لا يكمن في تجنّب الخطأ، بل في حسن التفاعل معه.
وأن نؤمن بأن التوفيق من الله، وأن ما اتخذناه من قرارات بنيّة خالصة ومعرفة كافية…
جدير بأن نرضى عنه، حتى وإن تأخر حصاده.
فالقرار الصحيح ليس ذاك الذي ينجح دائماً، بل هو الذي وُلد عن بصيرة، لا عن غفلة، وسار على جادة العقل لا هوى القلب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات