19 ديسمبر، 2024 12:49 ص

العقل الجمعي وأثره في أتخاذ القرار السياسي

العقل الجمعي وأثره في أتخاذ القرار السياسي

يعتبر العقل الجمعي أو حسب  ما يعرف ب( الأثر الاجتماعي) , أحد الظواهر النفسية التي تفترض أن سلوك الجماعة في موقف معين تعكس الرأي الاكثر دقة وصوابا “في المواقف التي تصعب فيها أيجاد الحلول من قبل الأفراد, وتتضح أهمية أثر العقل الجمعي في الحالات التي تتسم بالغموض, أي تحديدا” في الوقت الذي يفتقد فيه الافراد القدرة على معرفة السلوك الصحيح, ويساير الافراد الاغلبية بدافع أنها تعرف السلوك الصحيح في تلك الحالة وذلك الموقف, أي أن الفرد قد يفقد قدرته على الاستدلال على ما هو صحيح, لذلك  فهو يرى ان رأي الجماعة هو الافضل, وتتضح قوة الجماعة وسطوتها في مدى انصياع الافراد وطاعتهم لقراراتها بغض النظر عما اذا كانت صحيحة او خاطئة, وهذا ما يعرف بالإذعان او الانقياد, فعندما يدرك الفرد عدم قدرته على أتخاذ القرار المناسب في موقف معين, ويعاني من صعوبة في تحقيق ذلك فأنه يلجأ الى الجماعة ليبحث عن القرار الأنسب, وذلك يرجع بسبب أيمانه بقدرة الجماعة على رؤية ما هو أفضل مماقد  يراه هو في تفسير الموقف الغامض الذي قد يواجهه  لوحده, وهذا يعكس التأثير الاجتماعي الطبيعي أذ أن الفرد يرغب في ان يكون مقبولا” من قبل الاخرين وموضع تقدير لديهم حتى لا يكون مختلفا” عنهم أو يوصف (بأنه يغرد خارج السرب) كما يقال, فمسألة الأذعان للعقل الجمعي لن تؤدي بالفرد الى الأنقياد التام للجماعة فحسب ,بل تدفعهُ للموافقة على كل ما يصدر منهم بغض النظر عما أذا كانت أفكارهم صحيحة أو لا, فالمهم بالموضوع هو ان يكون فكر الفرد يتلاءم ويتطابق مع فكر الجماعة  مهما كانت أفكارها, حتى يصبح الجميع في مركب واحد,  ونلاحظ تأثير سيكولوجية العقل الجمعي أكثر حضورا” في ميدان العمل السياسي واتخاذ القرات السياسية , وخصوصا في المنطقة العربية وما يتعلق باتخاذ القرارات السياسية المهمة التي قد تصنع منعطفات تاريخية في مصير الشعوب, فعندما يسعى  الحزب الأكثر عددا” في السلطة بحكم عدد أعضائه وممثليه الى أتخاذ قرار معين فان رأي الأغلبية هو السائد بغض النظر عما أذا كانت القرارات المتخذة صحيحة  او خاطئة ,  مما يدفع ببقية الافراد  الى مجاراة المجموعة لعدم قدرتهم على رؤية ما هو أفضل, او حتى لا يظهر بمظهر المخالف, مع أن هذا لا يمنع من أن تكون هنالك بعض الاصوات المعارضة التي رغم وجودها فأنها تفقد قيمتها بسبب قلة العدد ولايعدو وجودها أكثر من أن تكون مجرد تسجيل موقف لا أكثر, لذلك فأن آلية اتخاذ القرار السياسي ضمن هذا المنطق ليست اكثر من مجرد حكم الأغلبية, ومسايرة الجماعة ويتسبب مثل هذا النوع من القرارات بأزمات سياسية  تنتج عنها الصراعات والحروب وأفكار الاستعمار والتسلط, والشواهد التاريخية على ذلك  أكثر من ان تروى عن سياسة فكر الجماعة التي تخلق الازمات وتدفع الى الهاوية فأغلب الحروب والرغبة بالاستعمار جاءت بسبب قرارات  الجماعة التي غالبا” ما تكون حاشية لدكتاتور متسلط , فيتغيب الأصوات الاخرى وتدفع بالأخرين الى المسايرة والاذعان, على ان ذلك لا يمنع من أن تكون قرارات الجماعة صائبة احيانا وذلك يتبع طبيعة الفكر السائد لدى تلك الجماعة,  ومن المفترض ان يكون مبدئ العقل الجمعي سائدا” في الدول الاوربية اكثر من الدول العربية بحكم  انها تعمل وفق ما يعرف  بحزب الاغلبية ولأنها بعيدة عن مبدئ الشورى  ,الذي أقره الدين الاسلامي لكن الغريب بالأمر ان الدول العربية هي اكثر من تستخدم هذا الفكر في ميدان السياسة متناسية مبدئ الشورى الذي اوصى به الخالق جل وعلا عباده والذ يعد من اهم مبادئ واسس الدولة النموذجية التي تحققت في زمن الرسول الأكرم ( عليه وعلى اله افضل الصلاة والسلام ) اذ أسس أكبر دولة اسلامية امتدت أركانها الى فرنسا والصين ,الا أن واقع القرارات السياسية في العالم يعمل بمبدئ العقل الجمعي الذي هو الاكثر عددا” واكثر تأثيرا” بغض النظر عن صحته ويتبعه من يتبقى حتى لا يكون الصوت النشاز في أوركسترا القرار السياسي بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك.