17 نوفمبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

العقلانية والروحانية لدى الديني واللاديني والمادي 2/2

العقلانية والروحانية لدى الديني واللاديني والمادي 2/2

أشرت في الحلقة الأولى إلى نصين قرآنيين؛ مشيرا إلى أنهما يشتملان على معنى جميل، تألق فيهما مؤلف القرآن، ألا هما «إِنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَاستَقيموا إِلَيهِ وِاستَغفِروهُ»، وفي نص «يا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحاً فَمُلاقيهِ»، وهنا أتناول ما يمكن أن نستوحي من النصين أكثر من معنى جميل، أوردها كالآتي.

الله وحده المطلق، ولمن لا يؤمن به، فلنتصور المطلق المثال الأعلى في عالم التجريد، ويبقى الإنسان يمثل وجودا نسبيا، لكنه يمتلك القابلية على السير التكاملي باتجاه المطلق دون بلوغه، لاستحالة تحول النسبي إلى مطلق، فهو أي الإنسان «يستقيم [في سيره] إلى الله»، و«يكدح إليه» في مسيرة تكاملية في خط الاستقامة؛ هذه الاستقامة النسبية التي ليس من ضمانات ألا يعتريها شيء من الاعوجاج والانحراف عن الخط المستقيم، بسبب عناصر الضعف المتأتية من حدوث حالات من ارتفاع منحنى النزعة الأنانية للإنسان المستقيم، وحالات هبوط لذلك المنحنى، مما يستوجب مواصلة التصحيح في كل مرة؛ هذا التصحيح المعبر عنه بعبارة «وَاستَغفِروهُ»، وذلك عبر إبقاء الضمير حيا ومتوقدا ليمارس الإنسان بواسطته الرقابة الذاتية، التي تصطلح عليها الأدبيات الدينية بالتقوى والورع. فالإنسان كما يعبر القرآن أيضا مخلوق من جهة من (طين) الأرض، ومنفوخ فيه من جهة أخرى من (روح) الله، أو روح المثل الأعلى أيا كان، وذلك حسب النص القرآني: «… وَبَدَأَ خَلقَ الإِنسانِ مِن طينٍ، … ثُمَّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فيهِ مِن رّوحِهِ …». فكون الله «بَدَأَ خَلقَ الإِنسانِ مِن طينٍ»، طبعا دون اعتماد قصة خلق آدم وحواء، إلا على مستوى الرمزية، أي من مادة الأرض والماء، تعبير عن البعد المادي في الإنسان، وكون الله قد «نَفَخَ فيهِ مِن رّوحِهِ» تعبير عن البعد الروحي فيه. من هنا أقول عسى أن يكون الإلهي اللاديني هو القادر أكثر من غيره على أن يعيش الروحانية، دون الغلو بها إلى حد الوقوع في الهلوسة الغيباوية، وأن يعيش العقلانية، دون أن تحوله عقلانيته إلى حالة من الجفاف والتصحر الروحي. بل هذا ما يمكن أن يحققه الملحد رغم عدم إيمانه بالله، إذا كان مؤمنا بالمثل العليا.

وأخير لا بد من ملاحظة، ألا هي إن استشهادي بنصوص قرآنية هنا، ليس من قبيل اتخاذي للقرآن مرجعية لي، بل للإشارة بكل تجرد وموضوعية إلى مواطن التألق فيه، رغم الإيمان العميق بوجوب تنزيه الله من نسبة أي من الأديان وكتبها (المقدسة) إليه، تألقت آيات جماله، وتقدست صفات كماله، وتنزهت محامد ذاته.

أحدث المقالات