لعل من المضحك المبكي استطلاعا، أجراه مراسل في إحدى القنوات الأجنبية في أعياد رأس السنة الميلادية المنصرمة، وقد كان استطلاعه في الشارع العراقي، إذ سأل أحد العراقيين قائلا: هل لديك أحلام تتمنى تحقيقها؟ أجاب الشاب بعد تنهد طويل: أتمنى شيئين فقط؛ “أن أتزوج.. وأن يكون لي بيت”..! فقال له الصحفي: سألتك عن أحلامك وليس عن حقوقك..!. فيالبؤس المواطن حين يغدو نيل حقوقه أبعد من تحقيق أحلامه. ومن المؤسف والمؤلم ان من بين ساسة العراق نفرا يُعدّون من (حبال المضيف) إلا أنهم يريدون للعراق التأخر والتقهقر، والبقاء في خانة الدول التي تفوز دائما بالمرتبة الأولى في الفساد والجريمة، وتريحهم حالات انعدام حقوق الانسان وضياع كثير من المواطنين تحت خطوط الفقر المدقع، ويتلذذون بسماع الأرقام والنسب التي تعكس تفشي الفقر والجهل والأمية والمرض، وتسعدهم كثيرا أخبار هجرة العقول والصراع بين القوميات والأطياف، ناهيك عن الدم والقتل والدمار الذي يطال الأزقة والمحلات والأسواق وبيوت الله والمدراس، وكل مرفأ يؤوي المواطنين الأبرياء. والغريب أنهم يتربعون على أعلى مناصب في البلد، وبيدهم دفة القيادة بشكل أو بآخر. ويأتي في صدارة الكم الهائل من الأخبار، الوضع الأمني، الذي عادة ماتتصدر أخباره وتقاريره الصفحات الأولى من الصحف اليومية بالمانشيت العريض والطويل، ولاتخلو فضائية من سبتايتلات متصلة تسرد العواجل من الكوارث التي تحدث في الشارع العراقي، بانفجار او اغتيال او خطف او اقتحام، ومن المؤكد ان حوادث مثل هذه لها تداعيات تنعكس على باقي مفاصل البلد.
اليوم ونحن نعيش حالات الرفض والمعارضة لنهج المسؤولين والسياسيين الذين قادوا العراق، وأوصلوه الى وضع لايحسد عليه، وتسببوا في خسارات كبيرة وكثيرة وعزيزة، أولها الأرواح والنفوس الغالية من المدنيين والعسكريين، من النساء والرجال والأطفال والشيوخ، وثانيها وليس آخرها هتك الأعراض وانتهاك الحرمات التي كانت مصانة معززة مكرمة، كذلك ضياع ثروات وأراض شاسعة من البلد العريق ذي التاريخ الموغل في التحضر، لابد للجميع من الوقوف بحزم وعزم شديدين، ناصحين أنفسنا بأن لانفوت فرصة الإصرار والتمسك بالمطالبة بالتعديل والتغيير، وهذه المرة علينا أن لانقبل بالحلول الترقيعية او أنصافها، كما كنا نرضى بها كمحطة وقتية لتغيير أكبر وأكثر شمولا، ففي حقيقة الأمر أننا اليوم نتعامل مع ساسة مدربين على الظلم مقابل التظاهر بالمظلومية، مجبلين على أكل السحت مع الادعاء بالنزاهة، متقنين فنون السرقات وضليعين في إيجاد ثغرة قانونية تجيز لهم جرمهم، متطبعين على التلون والتحايل مبدين التواضع والبساطة، كذلك هم يتدرعون بدروع ومصدات عديدة، ويتسترون تحت أغطية باتت مكشوفة لدى العراقيين، أولها الدين وثانيها المنسوبية والمحسوبية، وثالثها وأدهاها الأحزاب والتحاصص بخيرات البلاد، ولاتقف تستراتهم على رابعة وخامسة وعاشرة، فهم لوذعيون في نيل مآربهم النفعية بألسنتهم المعسولة، وماكرون في صياغة الخطب الرنانة والتصريحات الطنانة في كل ركن من أركان المناصب والمقاعد الوظيفية والمراكز القيادية.
إننا اليوم أمام خيارين لاثالث لهما، لاسيما أن استحضارات الانتخابات القادمة على أولها، الخيار الأول؛ المطالبة بتغيير منهج التعامل مع مرافق البلد من قبل مسؤولي مؤسساته، وهذا يتأتى من خلال مبدأ التكنوقراط في إداراتها من قاعدة الهرم حتى قمته، كذلك تفعيل مبدأ العقاب ثم العقاب ثم العقاب بحق المسيء، من دون تراخٍ وتهاون ومحاباة، أما الثواب فللمبدعين والمنتجين فوق مامنوط بهم من واجبات، إذ كما هو معلوم “لاشكر على واجب”.
أما الخيار الثاني فبكل أسف سيكون؛ الضياع والتقهقر والنكوص الى حيث لاقائمة تقوم لنا بعدها.