العفو عند المقدرة أن يتجاوز الإنسان عن سوء لحق به وهو خلق عظيم بل هو من شيم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فها هو نبيُّ الله يوسفُ الصديقُ عليه السلام، يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله، بل رموه في البئر، وفرقوا بينه وبين أبيه صغيراً وحيداً فريداً، فعفا عنهم عند القدرة على الانتقام منهم، قَالَ سبحانه وتَعَالَى عن يوسف عليه السلام أنه قال: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد صفح عن أهل قريش في فتح مكة عندما مكنه الله منهم وأصبحوا أذلاء تحت يديه بعد ما لقي منهم من أذى ومحاربة لكنه قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء…
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول مناد من عند الله يقول: أين الذين أجرهم على الله؟ فيقوم من عفا في الدنيا، فيقول الله أنتم الذين عفوتم لي، ثوابكم الجنة» ودليل ذلك أيضاً في قوله تعالى :{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [الشورى: 40]
فالْعَفْوُ وَالتَّسَامُح مِنْ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].
أيها المؤمن؛ [﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، أي: فإذا أساء إليك مسيءٌ من الخلق، خصوصًا من له حقٌّ كبيرٌ عليك؛ كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، -إذا أساؤوا إليك- إساءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه؛ فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين.
وإن هجرك، وترك خطابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة، -فما هي هذه الفائدة العظيمة؟ هي: قوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾، أي: كأنه قريبٌ شفيقٌ رحيم.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ﴾، أي: وما يوفَّق لهذه الخصلةِ الحميدة ﴿ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ -صبروا- نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبُّه الله، فإنَّ النفوسَ مجبولةٌ على مقابلةِ المسيء بإساءته، وعدمِ العفوِ عنه، فكيف بالإحسان؟
فإذا صبر الإنسان نفسَه، وامتثلَ أمر ربِّه، وعرَف جزيل الثواب، وعلِمَ أنّ مقابلتَه للمسيء بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيدُ العداوةَ إلا شدة، وأنّ إحسانَه إليه، ليس بواضع قدره، بل من تواضع لله رفعه، هانَ عليه الأمر، وفعل ذلك، متلذِّذًا مستحليًا له.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾؛ لكونها من خصال خواصِّ الخلق، التي ينالُ بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبرِ خصالِ مكارمِ الأخلاق]. تفسير السعدي.
وقد وردت الكثير من الآيات والأحاديث والقصص التي تتحدث عن العفو وفضله وأثره على الفرد والمجتمع ولا يعني ذلك أن العفو عند المقدرة أمر سهل بل هو صعب للغاية ولا تصل إليه إلا النفوس الكبيرة والنفوس العظيمة التي ترجوا ثواب الله وكما في الآية السابقة ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾.