18 ديسمبر، 2024 6:11 م

العفو العام من الاتفاق الى الاعتقال !!

العفو العام من الاتفاق الى الاعتقال !!

لن أدخل في التفاصيل القانونية عن التعديلات المطلوبة على قانون العفو العام بصيغته السابقة أو ما يمكن ان يستجد عليه من تشريع ، لان القضية أكبر من التعديلات الفنية القانونية ، انها في حقيقتها قضية سياسية بامتياز تتعلق بالاتفاقات بين القوى السياسية التي انطلق قطار حكومة السوداني على سكّتها !
يبدو المشهد تراجعيا وتنصلياً من قبل قيادات الاطار التنسيقي ، التي تقول الآن بعد ان اطمأنت على حكومة تحت سطوتها ، ان القانون سيفتح ابواب السجون للإرهابيين والملطخة اياديهم بدماء العراقيين والفاسدين للاستفادة من تعديلات القانون أو من القانون نفسه ، متناسين إن المطالبين بتعديلات للقانون أكدوا آلاف المرات إن المطلوب هو العفو عن الابرياء والذين اضطروا الى اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب والمشمولين بنظام المخبر السرّي ، وهي قضية لم تعد خافية على أحد وهناك لجان شكلتها حكومات سابقة اثبتت ان تعذيبا مورس ضد معتقلين وان اعترافات انتزعت بالقوة وان شهادات ملفقة لمخبرين سرّيين شملت حتى الخلافات الشخصية والاجتماعية وتصفية ثارات ، ترتب عليها احكاماً جائرة الى حدود الاعدام !
الآلاف المؤلفة من المحكومين ظلماً لايطالبون الا بمحاكمات عادلة والتحقيق الشفاف بقضايا التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة وشهادات المخبرين السريين التي تدور حولها الشبهات عن مصداقيتها واستخدامها لأغراض شخصية .
إما محاولات تصوير مطلب اعادة المحاكمات تشكيكاً بنزاهة القضاء ، فليس الا تبريراً لموقف الرفض المعلن وغير المعلن لأي تعديلات على القانون رغم ان القوى السنيّة وعلى رأسها زعيم تحالف السيادة الشيخ خميس الخنجر ممثلا لأكبرها ، الذي أكد على ثوابت قانون العفو وتعديلاته قيد النقاش ، على ان المطلوب انصاف الابرياء سواء بإعادة المحاكمات أو اعادة التحقيقات التي جرت بظروف تجاوز حقيقية على حقوق الانسان ،التجاوزات التي اعترفت بها لجنة حقوق الانسان النيابية ، و رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي دعا ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة، واستلم من خلال البريد الالكتروني خمسة آلاف شكوى تتعلق بانتزاع اعترافات تحت التعذيب في مراكز التحقيق، وقضايا المخبر السري، وعن سجناء من دون تهم أساساً، وأخرى تخص الناشطين في حركة الاحتجاجات !!
ورغم كل الشواهد والثوابت والاتفاقات السياسية فان الاطار التنسيقي مازال يتجاهل مطالب السيادة حول تعديلات قانون العفو بذريعة غير معلنة ، وهي ان اقرار القانون وتعديلاته سيصب في صالح السيادة في انتخابات مجالس المحافظات !!
ورغم إن السوداني شكّل لجنة لإعداد “مشروع قانون العفو العام”، الا ان الشكوك تحوم حول جديّة التطبيق بفعل القوى الفاعلة والرافضة داخل قيادات في الاطار التنسيقي على رأسها المالكي ، وهي قوى ترفض التقدم حتى الآن في ملف العفو العام !
نقول ، رغم ورقة الاتفاق السياسي ضمت بنوداً وعد السوداني بتحقيقها إلا إن استمرار التسويف في قضية انسانية وسياسية معاً قد تودي بتحالف ادارة الدولة الى التفكك !
للأسف الشديد ان بعض القوى السياسية في الاطار تنظر الى الموضوع فنياً وبـ”شيء ” من الانسانية ، كموضوع يتعلق باكتظاظ السجون وانتشار الامراض والتعويض المالي والتسويات الشخصية ..الخ من وجهات النظر التي لاترى في العفو العام المشروط بالأبرياء حصرياً ، موضوعاً سياسياً من شأنه ان يعزز الثقة بين القوى السياسية نفسها وبينها وبين الجمهور ، أياً كان شكله ولونه وتوجهاته ، مساهماً في تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد .