تعد قضية المعتقلين من اسخن الملفات واكثرها تعقيداً والتي شكلت نقطة تقاطع بين العديد من الكتل السياسية والتي انعكس اثارها السلبية على العديد من المكونات القومية والمذهبية للشعب العراقي ،وباتت القضية الاكثر قلقاً في بنية المجتمع العراقي ، لانها اتخذت مسارات متعددة زعزعت الثقة بين الحكومة والشعب وخصوصاً في المناطق التي شهدت نشاطاً مكثفاً في عمليات الاعتقال والاحتجاز ونقل الموقوفين الى اماكن سرية وتلقيهم أشد انواع التعذيب وسقط العديد منهم جراء ذلك ، وانحسرت هذه الاعتقالات على نحو يشوبها (الطائفية).. فيما تدور رحى حرب كلامية بين قاطع عمليات مجلس الوزراء وقاطع عمليات مجلس النواب حول اقرار قانون العفو العام المزمع اقراره في مجلس النواب بعد ان استوفى عدة قراءات وخضع للعديد من الارهاصات والضغوطات ، ووقع تحت رحمة مزايدات الكتل السياسية وتوجيهه الوجهة التي تخدم مصالحها وتظهرها بالموقف الحسن امام الشعب ، وهذه الحرب التي طرفاها السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية حول ابعاد وجدوى هذا القانون من الناحية الاخلاقية والانسانية من وجهة نظر النواب وتبعاته الامنية من وجهة نظر السيد المالكي الذي يعارض بشدة التهاون والتسرع في اصدار مثل هذا القانون كونه قد ينعكس سلباً على الوضع الامني وارتفاع وتيرة العنف في حال اطلاق سراح بعض المعتقلين الذين قد يشكلون خطراً على الوضع الامني في العراق .
وتسربت الى وسائل الاعلام نص هذا القانون الذي يشكل علامة فارقة في مسيرة العملية السياسية ودفعة قوية باتجاه مبدأ المصالحة الوطنية ، ورفع الحيف عن الالاف من المعتقلين الابرياء الذين اعتقلوا بصورة عشوائية ، او بصورة مناطقية طائفية ممنهجة ، والذي يقرأ فقرات القانون يجده متوازناً وعادلاً وحكيماً بل ومثالياً، وأستثنى القانون عدة فئات فيما لو تم التقيد بها فان السيد المالكي لن يجد مسوغاً للاعتراض على هذا القانون ، كونه استثنى كل من ثبت مشاركته بالعمليات الارهابية المسلحة اومن تعامل بتزوير العملة وبعض الجرائم الاخلاقية ،والقانون بصيغته من اجمل القوانين واكثرها نفعاً للمواطنين ، فليس اكثر نفعاً ان ترفع الظلم عن انسان برئ ولكن يبقى الهاجس الاعظم هو في التنفيذ وتحديد الفئات المشمولة بهذا القانون ممن سواهم ،فقد أوكل الامر الى سلطات الشرطة ومراكز الاحتجاز في تقديم ملف من يشمله هذا القانون ، وهنا تبدأ القضية فقد اصبحت القضية سائبة وبامكان مراكز الاعتقال او الاحتجاز تقديم من تشاء وتحجز من تشاء وما يتبع ذلك من امور قد تصل الى فساد مالي واداري ، او قد يشمل بهذا القانون احد زعماء الجماعات المسلحة ويستثنى بعض الابرياء كونهم قد اثبتوا عليهم التهمة ونزعوا منه الاعتراف بفعل عمليات الاستجواب التي لاتقرها جميع شرائع الارض والسماء واصبحوا بحكم هذا القانون ممن تلطخت ايديهم بدم العراقيين !!! .وكأن هذا القانون سيصبح مصدر ثراء للبعض ومصدر نقمة وشقاء لكثير من الناس ، فالمسألة اصبحت قانونية بحتة ويعامل الشخص المعتقل او المحتجز على وفق ( التوصيف ) الذي ثبت عليه في مراحل التحقيق الاولية ، وهذا فيه غبن كثير للابرياء الذين لم تسعفهم (الواسطة) او ( البدل النقدي) في اطلاق سراحه في المرحلة الاولى او رفع التهمة او تغييرالمادة المعتقل بموجبها من (4/ارهاب) الى غيرها.. معظمنا كان قد رفع اكف الضراعة للباري عز وجل ان يفرج عن المعتقلين .. وكنت اردد في قرارة نفسي ( اللهم الابرياء منهم… ) فأن المعتقل ان كان بريئاً ( وما أكثرهم ) يشعر بمرارة عميقة لاتوصف وهو في غياهب السجن وأهله واولاده قد لايستسيغوا الماء الزلال من شدة مرارة قلوبهم وقلقهم على مصيره .. فهؤلاء يحق لهم الاستبشار بهذا القانون كونه تأتى نتيجة الضغوط من أجلهم وخلاصاً لهم .ومن جهته يدافع السيد المالكي بشراسة ضد هذا القانون .. والاولى به ان يتخذ حزمة قرارات وأجراءات وتعليمات تجعل تنفيذ هذا القانون دقيقاً وشفافاً وخالياً من التلاعب بحيث ينال البرئ حريته وينال المسئ جزاءه العادل ، لأن المبدأ القانوني والاخلاقي الذي تعلمناه من اسلافنا يقول ” لأن تخطيء في العفو خير من أن تخطيء في العقوبة ” .