23 ديسمبر، 2024 12:05 ص

العطش للسياسة وترنّح الدولة العراقية

العطش للسياسة وترنّح الدولة العراقية

استؤنفت الحياة الحزبية في العراق أثر سقوط حكم البعث في 2003 ونشأت عشرات الأحزاب السياسية اضافة الى الأحزاب القديمة. اخذت الكثير من هذه القوى دوراً نشطاً في إطاحة النظام، إلا أنّها واجهت صعوبة في تطوير نفسها، وإنشاء قواعد دعم فاعلة، وبناء قواعد انتخابية مستدامة. اغلبهم افنى العمر بمقارعة البعث بين الداخل والخارج. وبعد عام 2003 دخلوا العملية السياسية مكأفاة لسنوات الجهاد وقدموا أوراق اعتمادهم كمناضلين، الإ انهم فشلوا من خلال عدة حكومات بدفع عجلة البلاد الى الامام وتحقيق التغيير المنشود الذي يتأمله الشعب.

لقد اختلط المشهد ونتائج الفشل اسبابها كثيرة ولا تقع على عاتق حزب معين كما يريد الخصوم تسويقها وانما الجميع يتحمل ذلك كلً بقدر مشاركته ومساهمته في كل حكومة مضت. معلوم للقارئ بان سلسلة من الخيبات الماضية تولد لدى الشعب السياسي(الناخب) رد فعل بعدم تكرار التجربة و انتخاب المجرب وعليه الكثير من الأحزاب خسرت ومستمرة بخسارة اصواتها وحجمها الانتخابي. هذه الأحزاب تعددت اجيالها، الجيل الاول المقارع للبعث لما يقارب الثلاثة عقود منهم من توفى ومنهم مازال حي يرزق ومستمر كرقم لا يستهان به داخل العملية السياسية. تمضي السنوات بعد عدة حكومات ويُفرض الوضع على الأحزاب ان تجري عملية قيصرية لأخراج جيلها الثاني على الساحة مع بقاء اليد للجيل الأول خلف الستار لتحريكهم. ما يميز الأحزاب الرصينة من الدكاكين الانتخابية ان هذه العملية ادت الى وفاة بعض الأحزاب سريرياً بينما نجد بعض الأحزاب انشطرت لأكثر من حزب.

معلوم للمتابع ان الأحزاب العراقية مركب معقد من الولاءات الموزعة بين مجموعة متنوعة من المرجعيات الدينية والتيارات الفكرية لذلك هذه العمليات ذات تأثير كبير عليها. الحقائق والوقائع تشير ان الخلل والعلة ليست في النظام السياسي فحسب وانما مسببات عدة ناتجة عن الممارسات الخاطئة والمتراكمة للقادة السياسيين من مختلف المكونات: شيعة وسنة و اكراد، ممن اسهموا في اضعاف النظام السياسي و اجهاض كل محاولات انقاذه حينما تتاح الفرص. هذه الممارسات التي يتمسك بها قادة يعملون تحت غطاء المكونات، المحصنة بذاكرة ملئية بالعداء والخوف من الأخر، والحذر يجعل اي مبادرة او اتفاق يعمل على تخليص النظام السياسي العراقي من مخرجاته السلبية مسألة صعبة التطبيق خوفاً على مصالحهم، حتى في اللحظات التي يكون فيها الجميع تحت التهديد الوجودي، يتم التموضع باستغلال هذه التهديدات لتعزيز المكاسب و اضعاف الخصوم وهي نقطة تحسب لمن يخرج بأقل الخسائر.

هناك أمل يقع على جيل شبابي جديد أكثر اعتدالا وهذا بدأ يفرض نفسه للظهور على الساحة، وخير الأحزاب من تحتضن و تحتوي. ان الفورة السياسية آبان 2003 وما لحقتها من سنوات التي دفعت للساحة الكثير من القوى والشخصيات وشكلت الكثير من ألأحزاب وتكتلات شبه حزبية حملت أسماء مختلفة لتعبر عن توق كبير لممارسة العمل السياسي انتهى نسبياً واصبح بلا نفع لان ظهوره كان رد فعل على حالة الاختناق السياسي الذي خلفته عقود من سيطرة الحزب الواحد والحرمان المطلق من فرص العمل السياسي. قَتامة الوضع وما وصل اليه العراق يفرض ان تراجع الأحزاب السياسية نفسها وتعمل على تشخيص مواطن الخلل وتقويمها، فالإيديولوجيات البالية لا تروق للناخبين ولا تقدّم حلولاً فاعلة وبالتالي، يودي لغياب القاعدة الجماهيرية المطلوبة.

ان النظر للعمل السياسي والحزبي على انه قدرات لا يمتلكها إلا ثُلة من رجالهم دون غيرهم خطأ فادح من قبل الأحزاب. نعلم بان الأمر صعب حتى على أكثر المنظمات السياسية صلابةً فوتيرة التغيير السريعة تزيد من عجز الأحزاب عن وضع برامج بعيدة المدى، وتشكيل هوية تميزها عن منافسيها، لكن لا خيار الأ بجيل، يضع نصب عينيه جدول اعمال و اهداف مختلف و متخفف من حمولات الماضي. المعطيات تشير الى مرحلة مفتوحة امام العديد من الاحتمالات، لا سيما ان استعدادات المجتمع، للانتخابات القادمة تتجه بالتغيير الشامل لكل الوجوه. نعم انهم امام تحدي كبير يؤجب عليهم الأسراع بولادة جيل جديد شبابي اكثر مقبوليه للشارع.