18 ديسمبر، 2024 7:59 م

والجلال هو مايوضع على ظهر الحمار ، ليكون ركوبه سهلا، وهذا المثل يقال للذي يتعرض الى مشكلة ولايؤثر فيه الا قليل منها، وفي الاربعينيات، كانت امانة بغداد تمتلك عددا من الحمير والخيل، وتعمل هذه الحمير في نقل النفايات والفحم، لتعود في نهاية الدوام الى اسطبلاتها لتكون تحت حراسة السائس الذي يقدم لها العلف والماء، وفي يوم من الايام نشبت معركة كبيرة بين الحمير، فاستدعي السائس وراح يشرح للمدير مَنْ من الحمير تسبب في العراك، ( بيك، الحمار الرمادي ، رفس الحمار الابيض، والحمار الابيض عض الحمار الجوزي، والحمد لله صارت العضّه بالجلال) ضجر المدير، وغضب وقال للسائس: ولك ياجلال، تلترباع الحمير صنفت، وراح انبيعها لهل العتيك.

ربما يأتيك احدهم بهذا المثل دليلا على عافية العراق، فيقول : ان العضّة بالجلال، والوطن يتساقط يوما بعد يوم، يتساقط امنيا وسياسيا واقتصاديا، جميع الحلول باتت مضحكة ومثيرة للسخرية، الحلول الامنية ، والسياسية والاقتصادية.

نسير نحو الهاوية وهي القاضية التي ستأتي من برميل النفط لتكون نهاية دولة يقال انها انشئت بناء على طلب من اميركا، وسقطت بسبب داعش والنفط الصخري الاميركي، داعش التي تكلف اميركا الكثير الكثير، والنفط الصخري الذي تبلغ كلفة استخراج البرميل الواحد منه تقريبا 60 دولارا، السقوط السياسي الذي ضم تحت جنحيه مجلس نواب يتغيب اكثر من نصف اعضائه في كل جلسة، ويتقاضى اعضاؤه مرتبات خيالية، سقوط سياسي واقتصادي في المواطن البسيط الذي يتمنى ان يسرق اي شيء من الدولة، فهذا مفصول سياسي، وذاك قتل خاله في معركة عشائرية، فيصبح شهيدا بقدرة قادر، وتلك وتلك وهذا، والجميع قام بسرقة الدولة حتى الذي سجن يوما واحدا او احتجز في زمن النظام السابق، لم يكن السياسيون وحدهم اللصوص، فاللصوصية صارت مبدأ للجميع، ومن ينأى عن هذا الطريق، فهذا قليل حظ لم تسعفه الصدفة لتضع امامه اموال الدولة السائبة التي علمت الناس على السرقة.

لم تكن العضّة بالجلال، كانت العضّة بقلب العراق، البناء العشوائي والفوضى والكهرباء التي استهلكت اموالا تبني ثلاث دول من الاساس، لم تكن العضّة بالجلال حين يحاكم المخلص ويقاضيه اللص، دليل براءتي فقري، ودليل سرقتك

غناك، والقانون الوحيد الذي ينصفني ويدينك، من اين لك هذا؟ لم يكن موضوعا ارتجاليا، لقد كان يتجول بملابسه الداخلية وسط هذا البرد ويذرع الازقة ويصرخ باعلى صوته، العضّة بالجلال، ويضحك بهستيريا واضحة، منظر غريب، استدعى جميع حواسي للتفاعل معه، هرولت خلفه مجنونا آخر يضاف الى قائمة المجانين، مجانين الوطن الذي لم يسلم منه احد، فالجميع مدان بتهمة الجنون او السرقة، جنون حب الوطن، وجنون سرقته.

الحمير تتعارك بسبب العلف، فيعض احدها الآخر، ويرفس احدها الآخر، والسياسيون يتعاركون، فيرفس كل منهم الوطن، ويعض كل منهم الوطن، المجلس الاعلى انصف الاقليم بمجرد ان تسلم وزارة النفط، فاهداه نفط البصرة، وحزب الدعوة انصف داعش فاهداها الموصل والانبار وصلاح الدين، ولا ادري من سينصف اميركا لاحقا ليعطيها العراق برمته، والامر قريب، وهذا ماقاله المجنون الذي يذرع الازقة بثيابه الداخلية وسط هذا البرد الذي لم ينصف نازحي الوطن بداخل وطنهم، فازهق ارواح الكثيرين منهم، اطفالا وشيوخا، ولم يسجلوا شهداء، شهداء الوطن الذي يأكل ابناءه، والجميع يضحكون ويرددون : العضّة بالجلال.