22 ديسمبر، 2024 8:27 م

“العصر الذهبي لنباح الأدباء الكلاب في العراق حسب وصف رئيس المجمع العلمي العراقي “

“العصر الذهبي لنباح الأدباء الكلاب في العراق حسب وصف رئيس المجمع العلمي العراقي “

منذ أسابيع، تلاحق التهم والتهرب من الشفافية واحتكار المنافع المجلس المركزي لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق. للاستعانة بشخصيات مؤثرة وإبعاد الانتقادات، زار عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية، الاتحاد وحضر جلسة “مغلقة”. كما زار رئيس المجمع العلمي العراقي، محمد حسين آل ياسين، الاتحاد وأطلق شتيمة قاسية بحق منتقدي الاتحاد، مشبهًا الأدباء بالكلاب النابحة. حدث هذا بحضور الأمين العام للاتحاد وجمع من الأدباء الذين أيدوه بحماس.

السؤال الذي أبحث عن إجابة موضوعية له منذ مدة، وحتى قبل هذا الحدث: هل يعيش العراقي “المثقف” الآن في 2024؟ يبدو هذا السؤال الافتراضي غريبًا وبلا إجابة محددة. فجسديًا، يعيش العراقي، مثقفًا كان أم مستهلكًا ثقافة، في زمنه الحالي، أما على مستوى الوعي والسلوك والمنتج، فيبدو أن المثقف العراقي قد علق هناك في بدايات خمسينيات القرن الماضي.

في لمحة سريعة للمنجز الشعري على سبيل المثال، سيصدمك كم وليس نوع الدواوين التي تصدر كل شهر تقريبًا، والمدبجة بخواطر وأفكار تصلح للدردشات والفيسبوك ربما، ولا تصلح أن تكون أعمال كتابة برقم إيداع ولو مزيف حتى. هناك نظم ونظم ونظم من الكلمات إلى ما لا نهاية، متتالية تلد فيها الكلمات نفسها كل مرة بلا رابط ومعنى. شكل يشبه صور البطاقات البريدية عن الأماكن السياحية. شكل لصورة ملونة وبراقة تخدم غرضًا مباشرًا وتسويقيًا، ولكنه ليس عملًا فنيًا من الأساس. يمكن للشاعر والكاتب والمصور أن يلتقط مليار صورة للطبيعة، ولكن هذا لا يصنع من عمله محتوى خالدًا أو مهمًا على الأقل.

في شق آخر، يضخم العراقيون ويبجلون كل ما يقع تحت أيديهم في حالة غريبة من إضفاء صبغة القدسية والأهمية على صناع نظم شعري بسيط وتافه أحيانًا ليتم قولبته كمادة عظيمة، أو اعتبار صانعه شاعرًا عظيمًا فقط لأنه مسن ومارس الكتابة منذ طفولته حتى لحظته بلوغه مرحلة التبول على نفسه فسيولوجيًا وفكريًا.

خذ مثلًا الشاعر “محمد حسين آل ياسين” الذي وظف علاقاته برجال الدين والدولة ليحتكر منصب رئيس المجمع العلمي العراقي ودار الحكمة لنفسه. للرجال نظم متقن من الكتابة المدبجة بمدح كل ولي نعمة مر به أو مر بهم. وهنا المفارقة الكبرى والثلمة الأخلاقية العراقية. فالزمن والسياسة، وليس المحتوى والإبداع، يحدد من من “تماسيح” الصنعة الأدبية يمكن له أن يعيش بسلام، ومن منهم يجب أن ينقرض معنويًا. وأقصد هنا التسقيط بتهمة يتشاركها الجميع وهي مدح الرئيس العراقي السابق صدام حسين. فمع عبد الرزاق عبد الواحد تصبح جريمة، ومع آخرين تصبح هفوة، وقا الله الشعراء شرها. أي نفاق هذا؟ ومن يثق بعد اليوم بأي منجز ثقافي عراقي؟

ليس هذا كل شيء بالطبع. فالعنف السياسي والتلاسن القبيح والشتائم والتهديد باستعمال أمثلة رديئة ومسيسة لمحاكم العسكر في العصر الجمهوري “محكمة المهداوي”، وشتيمة كل أدباء العراق “حسب صيغة العصر”، بوصفهم “كلاب تنبح بينما يسير هو بقافلته”. صورة بدوية غاية في الدلالات السيميولوجية، دالة على التخلف وقانون القبيلة الذي يبيح ذبح “الكلاب” أو الأعداء.

نفس شوفيني ورائحة عسكرة وبساطيل لدكتاتور تملأ المشهد واللغة، وصفرة لوجوه أتباع تهز رؤوسها بالخنوع والتملق لهذا المنطق البدائي. كانت هذه أحدث هفوات هذا الرجل المسن، غير القادر على ضبط كمية العنف العراقي الموروث، والذي رضعه المثقف قبل غيره في العراق بسبب تزلفهم لكل سلطة في أي زمان ومكان. وربما القادم أشد سخافة وأشد حقنًا بلغة الكراهية والتخوين التي لم يغادرها الكثير من العراقيين للأسف.

كيف ينمو الإبداع في هكذا بيئة عنيفة وخطرة وعاهرة أحيانًا؟ كيف يثق الجيل الجديد بهذه الوجوه التي تلونت بكل صبغة مكياج موجودة في المسرح فقط للتكسب؟ وهل يمكن أن نقول إن لدينا شعراء فعلاً في العراق؟ العراق الذي يوصف بموطن الحرف الأول ويمكن أن يوصف بموطن الحرف الأخير.