كتبت مقالة قبل أربعة سنوات نشرتها العديد من الصحف تتحدث عن ماذا سيفعل العرب عندما سيصل سعر برميل النفط لأقل من عشرة دولارات , وأعيدَ نشرها قبل عام , واليوم أعود إلى جوهر فكرتها لأنها تقدم قراءة نفسّلوكية للواقع الطاقوي في الأرض.
والمقالة مبنية على حقائق واقعية تطورية , خلاصتها أن النفط سيقتل الحياة على الأرض , وإنه وجد ليكون في باطنها لا فوق سطحها , وكأنه طاقتها التي تساهم في إدامة الدوران وتغذية محركاتها , التي لا نعلمها ولا ندريها.
وكما هو معروف فأن القرن العشرين كان عصر حضارة النفط , ولا يمكن للقرن الحادي والعشرين أن يستمر على ذات الإيقاع , لأن الأرض لا تحتمل ذلك إطلاقا , وقد إستشعرت البشرية هذه المعضلة المسماة بالإنحباس الحراري , الذي ربما سيدمر الحياة على الأرض إذا إرتفعت درجة الحرارة بمعدل درجة مئوية أو درجتين , ولهذا تم عقد مؤتمر باريس في الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام ألفين وخمسة عشر , للتصدي لهذه الظاهرة , وخلاصة ما يُذهب إليه أن على البشرية أن تقتل النفط قبل أن يقتلها.
ومن الواضح أن نشاطات البحث عن الطاقة البديلة تكللت بنجاحات تنافسية متواصلة , أخذت تؤثر على المصنوعات وخصوصا المحركات بأنواعها , والتي تشهد ثورة غير مسبوقة , وسيتم إنتاج أجيالها الجديدة العاملة بطاقة أخرى غير النفط , كما أن الطاقة الشمسية والهوائية والموجية والضوئية والمغناطيسية والكهربائية والنووية والحجرية , وغيرها الكثير جدا من مصادر الطاقة , بل أن الطاقة القمرية سيكون لها دور , وكذلك المد والجزر ومما لا يخطر على بال المخمورين بالنفط.
وهذا يعني أن أسعار النفط ستمضي في إنحدارها وتداعيها , رغم تفسيرات المحللين والمختصين بالتسويق النفطي , والذين يحسبون السبب إقتصاديا وأحيانا سياسيا , وفي واقع الأمر أن سعر النفط قرارا سياسي , أكده ما حصل له في السنوات الخمسة الماضية , حيث تجاوز المئة دولار للبرميل الواحد دون مسوغ إقتصادي سليم.
واليوم إنحدر إلى ما دون الأربعين دولار للبرميل , ومن المحتمل أن يهبط إلى ما حول العشرين دولار للبرميل , وهذا يعني أنه قارب من سعر العشرة دولارات , لأن كلفة الإستخراج ستتوازى مع سعر البيع أو أن الفرق لن يكون بجدوى إقتصادية كبيرة.
وبعد مؤتمر باريس لن تقوم قائمة للنفط , وعلى الدول النفطية والعربية خصوصا أن تستحضر طاقاتها العفلية والإبداعية , وتفكر بمشاريع أخرى إنقاذية لحماية وجودها , لأن ما عندها من الأموال سينفذ في السنوات الخمسة القادمة , وبعضها أصيب بضربة إقتصادية قاصمة كالعراق والسعودية , وباقي الدول ستكون على قائمة الإنهيارات الإقتصادية التي ستعصف بدول النفط كافة.
فهل ستتمكن من وعي حقيقة ما يدور في العالم , وهل ستبقى تبني مشاريعها وفقا لتحليلات واهية مخادعة وإيقاعية ما أثبتت صحتها على مر الأعوام.
وما سيصيب المنطقة العربية سيكون كبيرا جدا ووخيما , إن لم تشد الأحزمة على البطون, وتتفاعل بإرادة متوحدة متكاملة معتصمة بمصالح مواطنيها ومستقبلها.
ويبدو أن الدول النفطية تعيش في حالة الصدمة والنكران , وهذا موقف سلوكي خطير سيحولها إلى فرائس سهلة للضواري المتأهبة للإنقضاض عليها.
فهل سيستيقظ أهل النفط من سكرة النفط؟!!