هذه المقالة موجهة بالأساس لقرائنا العراقيين، وتخصيصا لأؤلئك المدافعين عن حكم الفريق العراقي الإيراني الذين يعتبرونه حكم الطائفة، ويرفضون، على ضوء هذه القناعة الواهمة، أي إدانة أو أي نقد يوجه لهذه الشلة الحاكمة، حتى لو صدر من هيئات أممية محايدة لا ناقة لها لدى الشيعة، ولا جمل لدى السنة، ولا لدى غيرهم من أجناس الشعب العراقي وطوائفه وأديانه المتنوعة، أملا في أن يُخدموا عقولهم، ويغسلوا ضمائرهم مما علق بها من تعصب ووهم وضلال.
فعلى مدى ثلاث عشرة سنة ظلت المئات من المحققين والكتاب والسياسيين العراقيين والعرب والأجانب، والملايين من العراقيين، شيعة وسنة، عربا وكوردا، مسلمين ومسيحيين، تواجَه من قبل هؤلاء المُضلَّلين من الشيعة المتعصبين المبالغين في طائفيتهم، بالشتم والتكفير والدس والاختلاق، واتهامَها بالتحامل على قادة (حكم الطائفة) في العراق، وعلى الجارة المحبة والخيّرة والمساعِدة الرحيمة إيران، ويعتبرون الشهادات الدولية الموثقة عن الخطف والتمثيل بالجثث ونهب منازل المدن التي تدخلها المليشيات، وعن اختلاس المال العام بالمليارات، وتهريبها إلى دبي وبيروت وعمان ولندن وباريس، ضربا من التهويش والتشويش والافتراء.
ومع الإقرار بأن المشاركين الآخرين في السلطة بالمحاصصة لا سلطة حقيقية لهم، وأنهم مجرد تعبئة فراغ، وتجميل، وترقيع، فإن قادة الائتلاف الشيعي هم المستأثرون، وحدهم، بالحكم اليوم، ويحتكرون القرار.
ورغم أن بعض أعضاء الائتلاف الشيعي الحاكم كشف حقيقة ما جرى ويجري على أيدي قادة حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري، إلا أن كثيرين من العراقيين كانوا بين مصدق ومكذب، ما دام أيٌ منهم لم يحاكم، ولم يثبت عليه ما يُتهم به من جرائم ومخالفات وتعديات وسرقات.
لكن ظهور قائد إحدى أهم المليشيات، (المعمم واثق البطاط) زعيم مليشيا جيش المختار، بشهادة من الوزن الثقيل، والثقيل جدا، دليل صارخ على ما كان يقوله العراقيون والعرب والعالم عن هؤلاء.
فحديثه لقناة (هنا بغداد) عن حقيقة الحكام الإسلاميين في العراق مرعب وخطير وجيب وغريب. فقد أقسم (بالله العظيم ونبيه الكريم)، على شاشة التلفزيون، على أنه صادق، لا يقصد الإساءة (لرفاقه) الحكام المعممين، ولكنها شهادة لتبرئة نفسه أمام الله يوم القيامة. مؤكدا أن لديه أدلة ووثائق لا تقبل الطعن.
يتحدث عن نوري المالكي، بالتحديد، ويقسم بـ (الله العظيم ونبيه الكريم) أيضا، على:
* أن 99% من جرائم الخطف التي تمت وتتم في العراق قام ويقوم بها رجال المالكي ويلصقونها بالمليشيات الأخرى.
* يدخل رجاله كسالى، ومخمورين، فيعتدون على النساء والشيوخ، ويبعثرون أثاث المنازل، وينهبونها.
* يقول: هكذا يقول السنة، وهم صادقون عن المعاناة التي عانوها على أيدي تلك القوات.
* لدي مستمسكات وأدلة ووثائق تؤكد ما أقول، لم أقدمها للقضاء لأن القضاء مملوك له، ولرجاله.
* إن من ينتخبه (بغل) أو (نعجة) بلا عقل ولا فهم.
* حزب الدعوة قدم تضحيات في الماضي، ولكن حزب الدعوة الحاكم اليوم ليس حزب الدعوة القديم.
* لقد استمات ليتسلم قيادة الحشد الشعبي، وقد أعطيت له في النهاية.
* وعلى ذلك فليس أمام المواطن العراقي اليوم سوى أن يبحث عن مكان في دبي أو غيرها يلمُّه.
* أنادي نوري المالكي: أخرج لشعبك، واعترف له بسذاجتك، وصارحه بأنك دمرت البلاد، وأحرقت الأخضر واليابس، ثم قدم نفسك للمحاكمة لتُعدم.
* إن نوري المالكي وإيران يتحملان مسؤولية كل قطرة دم سُفكت في العراق، وسوف يحاسبان حسابا عسيرا.
* حكام العراق الشيعة همُهم المناصب والنساء والولدان المخلدون.
* لم آت إلى هنا لأكشفهم، لأنهم مكشوفون. ودبي وبيروت تشهدان عليهم. فلم يبق مكان في بيروت لم يشتروه.
* المالكي طار إلى بيروت لكي يلم فضيحة ولده الذي هرب مليار دولار إلى بيروت.
فهل هناك شهادة أخطر من هذه؟ والحقيقة التي دار البطاط حولها وحار، وحاول إيصالها إلينا بالتلميح والترميز، هي أن الذي جعل من العصابة في العراق دولة هو المرشد الأعلى ومعاونوه ومستشاروه وقادة حرسه الثوري ومخابراته الذين جربوا سلوك العصابة على مواطنيهم، داخل إيران نفسها، وتيقنوا من نجاحه في حماية نظامهم، وفرض هيمنته على البلاد والعباد، بقمع المعارضين والمشكوك في إخلاصهم لمباديء الإمام، ولأهداف النظام، حتى لو كانوا من كبار رفاق الخميني نفسه. ومن أول تسلطهم على الحكم في طهران اغتصبوا حريات القوميات غير الفارسية، ومنعوا أية محاولة من أيٍ من مواطنيها للمطالبة بالحقوق التي كفلتها الأديان والقوانين الإنسانية جميعها. حتى جعلوا إيران على رأس قائمة الدول في حالات الإعدام والقتل والرجم دون محاكمة، والقمع والإرهاب والفساد. ألم يصبح المرشد الأعغلى نفسه أغنى الأغنياء ونصف شعبه تحت خط الفقر في دولة كانت غنية، وكان شعبها من أكثر شعوب المنطقة تقدما وغنى؟ ألم يبلغ عدد المهجرين والهاربين إلى بلاد الغربة ملايين؟
وشيئا فشيئا أصبح سلوك الحرس الثوري والباسيج سلوك رجال العصابات وقطاع الطرق بالتمام والكمال.
ومن نتائج نجاحهم في سلوك العصابة في الداخل أنه تحول لديهم إلى عقيدة راسخة، ومنهج عمل ثابت أغراهم باعتماده وسيلة لغزو الدول المجاورة، واحتلالها باسم الطائفة التي لم تنل منهم غير التوابيت.
ففي العراق لا يحترم النظام الإيراني سوى العصابات الموالية التي أحسن تأسيسها وتسليحها، ودربها على القمع والظلم والفساد والاختلاس، لإرهاب العراقيين وتركيعهم، وتحويل العراق إلى مستعمرة مستسلمة للولي الفقيه.
وفي لبنان عصابةُ حزب الله التي عطلت حياة اللبنانيين، وشلت الدولة، وجعلتها دولة فاشلة، صناعة النظام الإيراني من أول ولادتها وحتى اليوم.
وفي سوريا لم يعتمد النظام الإيراني على جيوشه وحرسه الثوري، في البداية، بل فضل تجييش (عصاباته) اللبنانية والعراقية والأفغانية واليمنية للدفاع عن (عصابة) بشار الأسد التي كانت بارعة في حكم الشعب السوري بالتجويع والقتل والاغتيال، ثم تحولت إلى تلميذة خائبة أمام أساتذة الفنون الإيرانية في الإرهاب والحرق وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها الآمنين.
وفي اليمن لا يستحي المعممون الإيرانيون من المفاخرة بأبوِّتهم لعصابة الحوثيين، وتحويلها إلى (حزب الله) يمني يزايد على (حزب الله) اللبناني.
وفي البحرين لم يتأخر النظام الإيراني عن مد عصابة المعارضة الشيعية بالمال والسلاح والخبراء والمدربين، لإرباك الدولة، وإضعافها، تمهيدا لضمها إلى ممتلكاته، وتحويلها إلى قاعدة انطلاق متقدمة لزعزعة استقرار باقي دول الخليج.
وفي فلسطين لا يُخفي الملالي دورهم في احتضان حماس والجهاد الإسلامي وتلقينهما فنون أساليب العصابة في التخريب والإرهاب، باسم المقاومة وتخرير فلسطين.
وهكذا تخلى الملالي عن الدولة في إيران، وعن سلوكها وسياساتها وقوانينها، وجعلوها عصابة تملك تجمعا واسعا للعصابات، وتديرها في المنطقة العالم.
ولعل آخر وقائع سلوك العصابة ما يفعله الإيرانيون ووكلاؤهم العراقيون في مسألة تحرير الموصل من الداعشيين.
فلكي يخدعوا جماهير الموصل، والحشد العشائري لنينوى، وقوات التحالف الدولي، وقوات البيشمركة الكردية، والقوات التركية، الرافضة، قطعيا، دخول الحشد الشعبي إلى المدينة، بعد أن هدد قادته بالثأر من أحفاد (يزيد)، فقد عمدوا إلى الاندساس في صفوف الجيش العراقي.
وتحسبا لفشل الحشد الشعبي في اقتحام الموصل، لسبب أو لآخر، فقد دخل الحرس الثوري الإيراني إلى كردستان العراق، تمهيدا لدخول الموصل، بحجة تحريرها، كما فعل هو ومليشياته العراقية في مدن عراقية أخرى من قبل، بشهادة قائد مليشيا جيش المختار، واثق البطاط، وليس سواه.
فقد أعلن مسؤول أمني كردي أن ” أجهزة الأمن الكوردية ترصد منذ أكثر من شهرين وجود قوات الحرس الثوري الإيراني في قاعدة في منطقة هورامان، القريبة من مدينة حلبجة، وأن هذه المنطقة متداخلة ما بين الأراضي العراقية والإيرانية، حيث تجري هناك تدريبات قتالية،
ونعتقد بأن عناصر من الميليشيات العراقية تسللت من خانقين أو بدرة، تتدرب في هذه القاعدة أيضا “.
وتوقع المسؤول الكوردي في حديث لصحيفة (الشرق الأوسط) أن تجتاز قوات الحرس الثوري أراضي إقليم كردستان للوصول إلى تخوم الموصل، لا سيما أن الطرق المؤدية من الإقليم، عبر محافظتي أربيل ودهوك، هي الأقرب إلى هدف هذه القوات.
هل بعد هذا كله يعترض معترض على أن هذا زمن حكم العصابات؟.