23 ديسمبر، 2024 4:28 ص

العشائر وضعف الدولة

العشائر وضعف الدولة

برغم صدور قانون يجرم ما اصطلح على تسميته بـ ( الدكة العشائرية ) فان النزاعات العشائرية مستمرة وفي تحد واضح للقوانين ولاسباب لاتنسجم مع قيم العشائر الاصيلة حتى وصل الامر الى مهاجمة منزل مدير شرطة بسبب مقتل ثلاثة اشخاص متهمين باختطاف مقاول محلي بحسب ما جاء بالاخبار .. ومع كل التقدير والاحترام للعشائر وشيوخها الاصلاء فان ما نسمعه من ممارسات يذكرنا بايام الجاهلية وتتنافى مع مباديء الاسلام وتعاليمه ، كما ان ما يحصل من نزاعات يعزز تمزق المجتمع ووحدته في مرحلة احوج ما نكون فيها الى الوحدة والتكاتف لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وصحيا مع تفشي جائحة كورونا . لا نريد ان نقفز على واقع مجتمعنا وتمسك افراده بالانتساب الى العشيرة ، غير انه ليس من المنطقي ان تكون العشيرة اقوى من الدولة بما تمتلكه من سلاح خفيف ومتوسط بل ان احد النواب قال ان العشائر يمكنها ان تشتري دبابة ! فهذا يتناقض وبناء دولة عصرية ويزيد من قلق المواطن على امنه الشخصي وامن اسرته . ما نريده عشائر تنتخي للوطن وتحافظ على سيادته ووحدته وتنصر المظلوم وتواجه الظالم حتى وان كان من ابنائها وتردع المسيء الخارج على القانون وليس العكس !ويبدو ان هذا لن يحصل مع بقاء ضعف الدولة وعجزها عن وقف حالات السلاح المنفلت والمواجهة الصارمة لكل من يتجاوز على منتسبي الاجهزة الحكومية امنية او غيرها وهم يؤدون واجبهم . وينبغي علينا ان نكون صريحين في تشخيص اسباب هذا الخلل وتمادي بعض العشائر في خرق القوانين الذي يقف في مقدمته فقدان هيبة السلطة والاحزاب التي تتعمد تسليح العشائر لاغراض خاصة بها وهو ما اشار اليه اكثر من شخصية سياسية وعشائرية ومنها ما ذكره النائب السابق عدنان الدنبوس ومستشار محافظ البصرة لشؤون العشائر قبل ايام في حصاد ( الشرقية نيوز ) . غير ان ما لانتفق فيه مع النائب السابق تحميله قانون الاصلاح الزراعي الذي صدر اول قانون له بعد ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة مسؤولية ضعف دور رؤساء العشائر وتوزيعها الاراضي على الفلاحين بل تحميل هذا القانون مسؤولية تدهور القطاع الزراعي .فالسيد الدنبوس ومع جل احترامنا له يقفز على كل الحقائق التي تؤكد ان العشائر ومنذ تاسيس الدولة العراقية كانت تتمرد على الدولة عندما تكون ضعيفة وهو ما ذكره الدكتور علي الوردي رحمه الله في اكثر من مناسبة وثبته وبالتفصيل في مؤلفاته التي تناولت المجتمع العراقي . كما انه يتغافل ان الاراضي الشاسعة التي كانت للشيوخ حصلوا عليها كهبات من ولاة الدولة العثمانية ومن حق الدولة توزيعها بشكل عادل مع اعطاء حصة متميزة للشيخ بل انه تناسى ما كان يتعرض له الفلاح من ذل وقهر وحرمان من الاقطاع واضطرار بعضهم للهرب الى بغداد تخلصا من الجور الذي كانوا يعانون منه ..
ان الخلل لم يكن في قانون الاصلاح الزراعي بل في فشل الانظمة منذ ثورة الرابع عشر من تموز الى الان في تقليص الهوة بين الريف والمدينة وانشغالها بالصراعات السياسية وهو ما دفع الفلاح الى ترك ارضه بحثا عن بعض الرفاهية في المدينة التي تكاد تكون معدومة في بعض ريف العراق خاصة الجنوب والفرات الاوسط . ونعتقد ان شرح هذا الامر يحتاج الى دراسات وبحوث لكن ما نريد ان نخلص اليه هنا هو انه كلما قويت الدولة ومؤسساتها كلما ساد القانون والتزم الجميع بتطبيقه بما فيها العشائر .