23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

العسكر وال .. اخوان

العسكر وال .. اخوان

نظرية المؤامرة التي تسيطر على تفكير البعض لايمكن ان تأتي من فراغ ، خصوصا وان السياسة في عالم الغاب هذا ، الذي نعيشه اليوم ، ليست الا مؤامرة كبيرة ، ولاننا ميالون للمبالغة بطبعنا فاننا قد نتصور امرا ويثبت فيما بعد عدم صحته ، حدث هذا معي عقب تولي السيسي رئاسة المؤسسة العسكرية المصرية ، فقد تصورت ان السيسي جاء برغبة امريكية ليكون الرقيب على النظام الجديد القائم على انقاض حكم مبارك ، حتى لايحاول الخروج من العباءة الامريكية ، مثل هذا التصور ينبع من استقلال المؤسسة العسكرية في زمن مبارك ، مبارك المسيطر على كل مفاصل الحياة المصرية لم تكن له مثل هذه السيطرة على الجيش ، صحيح انه على وئام معها وكانت تعامله باحترام لكنها لم تكن خاضعة لسلطانه خضوع مطلق ، فللعسكر في زمن المخضرم طنطاوي علاقة مباشرة بالامريكان وتنسيق مباشر مع الاسرائيليين وميزانية تعتمد بشكل كبير على التمويل الامريكي اضافة الى عوائد ذاتية من مصانعهم ومشاريعهم التي تشعبت بكل المجالات بالاضافة للمنتجات الحربية  كالادوات الكهربائية والسلع الاستهلاكية والخدمية والمشاريع السياحية وحتى الزراعية  ،
هذه المؤسسة وطوال حكم مبارك لم تكن معنية بالشأن الداخلي المصري او على الاقل لم يتم اختبارها اختبارا حقيقا في حدث ما ، لان في مصر اخطبوط امني عملاق يقوم بهذا الامر هو وزارة الداخلية ، وقد كانت عماد الحكم السابق ، اذاقت اهل مصر الويل وكانت ممارساتها سببا بارزا في الثورة المصرية ، زبائن الداخلية المعتادين ( سياسيا ) هم في الغالب من التنظيمات الدينية الاسلامية ،  والتنظيم الاكثر تضررا كان الاخوان المسلمين ، تتبع الشأن المصري ، انذاك ، يظهر بوضوح الظلم الكبير الذي وقع على هذه الجماعة والاذلال والتنكيل بحفلات موت وتعذيب امتدت من بداية عهد عبد الناصر الى نهاية حكم مبارك ،  ضراوة هذا الاستهداف صنعت من الاخوان جماعة مهادنة متواضعة ومسالمة ، قبلت ولوج عالم السياسة وكانت ترضى بفتات مايلقيه عليها الحزب الحاكم الذي كان بحاجة لهم ليجمل صورة البرلمان في عيون الغرب ، كانوا في منتهى البراغماتية في تعاملهم مع السلطة وقد كنت اظن ان ذلك بسبب كونهم الطرف الاضعف في المعادلة ، لذا كانوا يعقدون الصفقات مع السلطة ويتقاسمون الدوائر الانتخابية ويلعبون دور المخبر والواشي احيانا ان تطلب الامر وكانت السلطة تكافئهم احيانا باطلاق يدهم في مجالات كالاعمال والتجارة والمنظمات الخيرية التي كانوا من خلالها يقدمون العون للفقراء فاستفادوا وصنعوا لانفسهم صورة جميلة بعيون شريحة كبيرة من المجتمع المصري الذي لم يكن راضيا عن طريقة تعامل السلطة مع الاخوان وحتى بعض النخب المصرية وخصوصا معارضي مبارك من التيارات الاخرى كانوا يتعاطفون ويدافعون بشدة عن الاخوان .
اليوم التاريخي في مصر وثورة الشباب في ٢٥ يناير كان يوما مفصليا في تاريخ الجماعة الممتد لاكثر من ثمانين عام ، وكانت بحاجة لقرار سريع ، الرغبة في الثورة والتغيير لم يكن له مكان في نقاش الاخوان ساعتها ، هذا امر بديهي ، لكن المشاركة فيها هو المشكلة فهم ، لا كغيرهم ، لو فشلت الثورة لكان البطش بهم عظيم ، لذا ترددوا واطالوا التفكير ، ومعهم في هذا حق ، وعينهم على الشارع ، الشارع الذي بدأت تتضح معالم ثورته وبانت تباشير نجاحه ، عندها قرر الاخوان المشاركة ونزلوا للشوارع في ٢٨ يناير فكانت اضافة واضحة  اعطت زخما للثورة ومقدمة لسرقتها .
بعد تنحي مبارك وقبل فوز مرشح الاخوان محمد مرسي بالرئاسة حدث الكثير ،لكن الابرز في كل الاحداث ، هذا الاقبال الكبير للاخوان على السلطة ، وحضروهم الواسع والمدروس في المشهد ، عملوا بجد ونشاط ووظفوا الظرف لصالحهم ، وعرفوا الى اي جهة يتوجه خطابهم فتوجهوا لاصحاب القرار الحقيقيين ، الفقراء الاميون والامريكيين ، مع حمق اغفالهم جهات اخرى ، وعدوا الشعب المصري بمشروع النهضة وبعثوا برسائل التطمين الى واشنطن ، طبعا وبعد هذا، ان تحليلا يرجع براغماتية الاخوان لاعتبارهم طرفا ضعيفا في معادلة يصبح غير صحيحا وان هذه البراغماتية عقيدة راسخة في فكر الاخوان فقد كانت جلية واضحة وهم في اوج القوة وعلى اعلى هرم السلطة حين ارسل الرئيس ، حينها، رسالة لبيريز يبدأها بصديقي العظيم ويتمنى فيها العيش الرغيد لدولة اسرائيل ويوسمها بصديقكم الوفي ، كان فارق الزمن يعد بالايام بين هذا الرسالة وبين حملته الانتخابية حين كان مرسي جالسا في مؤتمرا انتخابيا يستمع ويصفق لصفوت حجازي وهو يهتف بالحشود عالقدس رايحين شهداء بالملايين .
فاز مرسي والاخوان بالرئاسة رغم الضبابية والتناقض الواضح الذي حفل به خطابهم وتصرفاتهم قبل الفوز بالرئاسة ، بالتأكيد هذه الضبابية لم تكن واضحة الا للنخب المصرية والعلمانيين ، لكن البعض وحتى اشخاصا بارزين في السياسة والاعلام ، وثقوا بالاخوان واحبوا منحهم فرصة واخرين آثروا مر مرسي على علقم شفيق ، وبدأت مسيرة الاخوان مع الرئاسة وهم غافلون عن سطوات الاعلام والقضاء والامن والاقليم ، وهذا بعض من حمق الاخوان ، تعاملوا بتجاهل وتحدي وغطرسة مع الة اعلامية عملاقة لها كثير من الحظوة والقبول والثقة من المواطن المصري ، تفننت بفطنة وخبرة وحرفية وسخرية وخبث احيانا ، في التقاط كل حركات وسكنات وسقطات الاخوان . وتعاملوا برعونة مع القضاء ، هذه المؤسسة الكبيرة البعيدة كل البعد عن ميول وتوجهات الاخوان وصنعوا منها عدوا ، وتجاهلوا المؤسسة الامنية ومعرفتها بخبايا الاخوان وتعاملها السابق معهم والانكى من كل ذلك استهانتهم بالدور الاقليمي ظنا منهم ان القبول الامريكي يغني عن كل شيء .
سلسلة طويلة من التناقضات والاخفاقات والفشل والكذب رافق مسيرة الاخوان منذ مطلع ٢٠١١ حتى سقوطهم ، بدأوها بعدم النية للترشح للرئاسة وسرعان ماقدموا مرشحين بدل الواحد، وعدوا الناس بالنهضة ليخرج الشاطر بعد استلامهم الحكم ليقول لاوجود لهكذا مشروع ، خاطبوا الناس بالاسلام هو الحل وخاطبوا السلفيين بالشريعة وخاطبوا الاقباط بالمساواة ووعدوا الفقير بالرغيف ولم يحدث لا اسلام ولا شريعة ولا مساواة وصار الرغيف اصعب على الفقير وضاع معه الماء والكهرباء والبنزين وعم الغلاء ، ذهبوا للسعودية وايران وقطر والمانيا والبرازيل واثيوبيا ، ولارابط يجمع هذه الدول ولاتوجه محدد ، تخبط ليس الا ، حلم الغاء كامب ديفيد ودعم المقاومة الفلسطينية الذي راود الكثير ممن انتخب الاخوان تلاشى برسالة مرسي وتعهده للامريكان بحفظ الاتفاقية ودعوة حماس للتصالح مع اسرائيل برعايتهم ، وعدوا بحلول اقتصادية جذرية واذا بهم يتوجهون للاستدانة بفوائد كانوا يسموها ربا وصكوك اصبحت بين ليلة وضحاها حلالا، حاولوا كسب ود المتشددين والسلفيين الراغبين بحجب الاثار ووقف السياحة فما لبثوا يتباكون على السياحة ويعطون اشارات ، تعالوا بكل مالديكم من عري ، صمت السلفيون على ذلك  لكنهم لم يستطيعوا احتمال رؤية سواح ايرانيين ، لذا حاول الرئيس ارضائهم بان يبارك وصفهم للشيعة بالانجاس ويغض الطرف عن سحلهم في الشوارع . يخرج الرئيس فاتحا صدره للجموع وهو يتسلم الرئاسة بعدها بايام يخرج بموكب من عشرات السيارات المصفحة ، سيطرة كاملة على الادارات وشؤون المحافظات والاعلام الحكومي ومحاولات لتطويع القضاء واستهداف للمعارضين والاعلاميين ، تنكروا وهاجموا وشهروا بابراهيم عيسى اشد المدافعين عنهم ايام مبارك ، ومحمود سعد الذي ساندهم بقوة في الانتخابات بات عدوهم اللدود والشيطان الاكبر لانه انتقد ممارساتهم ،
خلاصة الامر ان الاخوان استخدموا السلطة بمنتهى الغباء والتخبط والحمق وانهم قضوا تماما على انفسهم وانهم وان بقي لهم ذكر لن يحظوا بمثل هذه الفرصة ابدا مهما امتد الزمن  لانهم كشفوا عن وجه قبيح يختبيء وراء الوجه الذي كان يظنه كثيرون ملائكيا  ، وانهم وللانصاف لم يعطوا الفرصة كاملة ولم يكن الطريق اماهم سهلا ممهدا . لكنهم كانوا اشد عداءا لانفسهم من الاخرين ،لم يتخذوا قرارا واحدا صحيح ، ولم يرسلوا اي رسالة يفهم منها انهم على الطريق الصحيح  ، كان الكذب سمتهم البارزة ووقع كذب اصحاب اللحى على الناس شديد .
بلغ الكيل بالمصريين مبلغه ، لبوا نداء شاب مغمور، التف حوله كبار الساسة واهل الفن والادب وجموع الشباب المصري الواعي وسانده مشاهيرالكتاب والاعلاميين بدون غيرة ولاحسد او غرور ، وقعوا استمارته على الهواء وقالوا له نحن ابناؤك ايها الكبير ، وسقط النظام ساعة اكتشف الجيش ان هذه الحشود البشرية اكبر من كل الحشود التي اسقطت مبارك وكان من بينها الاخوان ، فاعلن الجيش وقوفه بجانب الثورة ،على يد قائد اخفقت الادارة الامريكية في تقدير ولاءه لها وفي معرفة الوعود التي حصل عليها من السعودية والامارت .
مما لاشك فيه ان الاحتكام للصندوق والقبول بنتائجه وكل ممارسات العمل الديمقراطي امر لايصح الاختلاف عليه ، وعلى العسكر سرعة نقل السلطة الى ادارة مدنية منتخبة ، لكننا كنا ازاء حالة شاذة تمثلت بظروف انتخاب الرئيس والخيار الصعب الذي واجه الناخب المصري بالاختيار بين النار والرمضاء وسوء اداء الرئيس وفريقه والفشل والتخبط والعشوائية التي عملوا بها كان من المفترض ان يقبلوا على الاقل باستفتاء شعبي يجنب البلاد المخاطر ، لكنهم رفضوا لعلمهم بتأكل شعبيتهم وفضلوا بعد الاطاحة بهم ان يصفوا الثورة بالانقلاب ، فليكن انقلابا ، سموه ماشئتم ولكن لاتتجاهلوا الملايين التي ساندت هذا الانقلاب وتذكروا ان الديمقراطية حرام وعليكم طاعة ولي الامر الجديد وان اخذ مالكم وجلد ظهوركم ! .