11 أبريل، 2024 5:03 م
Search
Close this search box.

العسكرية العربية : بين الدفاع عن الوطن وتحضير الدشداشة

Facebook
Twitter
LinkedIn

في المبدأ العام .. فأن المقاتل في اي مكان في العالم يدرك انه قاب قوسين او ادنى من الموت استناداً الى بديهتين لا ثالث لهما : فأما ان يكون المقاتل مهما كانت رتبته مؤمن بالمهمة التي من اجلها التحق بالقوات المسلحة وهي حماية الاوطان والشعوب من الاحتلال الاجنبي او الاخطار والتهديدات الخارجية ؛ او ان يكون اجيراً مرتزقاً يعمل لدى من يريدونه لحمايتهم لقاءَ مبلغ من المال ؛ والاثنان يتوقعان لقاء اجلهما في اي لحظةٍ وبنسبة مائة من المائة .
وعلى الاساس الاول انطلقت الجيوش العربية في صدر عصر الرسالة وما بعده لفتح وتحرير البلدان فقدمت الشهداء تلو الشهداء حتى استقام امر الاسلام واستقر .. ومنه استلهمت بعض الجيوش العربية مواقفها في الثبات والدفاع عن الدين او الوطن او الشعب ؛ وعلى الاساس الثاني شهد العالم حروباً ونزاعات دموية من اجل المياه او الغنائم او السيطرة الغاشمة على الارض وبالقوة المسلحة على مر التاريخ .
وبعد اخر الحروب العربية الرسمية مع اسرائيل في العام الف وتسعمائة وثلاثة وسبعين وحرب السنوات الثمان بين العراق وايران فقد تغيرت المعادلة واصبحت الجيوش رهينة للسياسة واداة لتحقيق الامجاد الشخصية في حين برزت الى السطح ظاهرة سطوع نجم المليشيات المنظمة كحزب الله في لبنان وتنظيم القاعدة في افغانستان والعراق ويقابلها على الجانب الاخر منظمة بدر وجيش المهدي كمثالين عراقيين او منظمة حماس في غزة والحوثيين في اليمن و جماعة الاخوان المسلمين في مصر وغيرها الكثير .. وبغض النظر عن ظروف التاسيس او مصادر التمويل والتسليح او اهداف التاسيس ولكنها ظواهر تشير الى مبدأ انتقال القوة والمبادأة من الجيوش المنظمة الى الافراد المنظّمين والمدربين تدريباً عالياً ويجمعهم هدف مشترك وعقيدة يؤمنون بها .
مناسبة هذا الحديث هو ما جرى في كل من شمال وغرب العراق ومدينة الموصل بخاصة ؛ وما جرى وهو قريب له جداً في مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية .. ففي الاولى هرب ما يقارب الربع مليون من المقاتلين المدربين والمسلحين تسليحاً عالياً دون ان يطلقوا اطلاقة واحدة امام ما يقال انهم اقل من خمسة الاف من الافراد الذين جاءوا من كل بقاع الارض واندفعوا تحت راية الفكر التكفيري ليحتلوا ثاني اكبر مدن العراق وعشرات المدن والقرى الاخرى ويعيثوا فيها فساداً وقتلاً ويتمددون في كل الجهات ويسيطرون على الاف الكيلومترات المربعة في كل من العراق وسوريا .. وفي صنعاء دخلت سيارات الحوثيين الى العاصمة واسقطت حكومتها والدولة كلها في بضع دقائق بعد ان فرت القوات المسلحة وقادتها دون ان تعرف لهم وجهة وما زالت العاصمة تحت سيطرة تنظيم الحوثيين ( انصار الله ) حتى يومنا هذا على الرغم من اتفاق تقاسم السلطة .. وفي المثال الثالث فقد كنتُ شاهد عيان على انسحاب وتلاشي قوات الشرطة المصرية امام زحف المتظاهرين في جميع المدن بعد احداث الخامس والعشرين من يناير / كانون الثاني ؛ وكيف سادت الفوضى والهرج والمرج وفتحت السجون ابوابها ونهبت المحلات حتى تدخل الجيش المصري الباسل واوقف التداعي اولا ثم تولى زمام المبادرة وسيطر على الاوضاع بنسبة مقبولة .
في حالتي العراق واليمن تخلى العسكريون عن المبدأ الذي جُندوا من اجله : الموت او الشهادة وتركوا او سلموا اسلحتهم لمن باغتوهم وفرّوا بالملابس المدنية ( الدشاديش ) هرباً بريشهم – كما يقول المثل .. وللتذكير فان العراق شهد وقائع مماثلة في العامين 1991 و2003 ربما لشعور المقاتلين بقوة العدو وتفوقه عليهم بالعدد والعتاد والتكنولوجيا المتطورة ؛ فما الذي جرى في حالة الموصل ؟ ربما سيكون جزءٌ من الجواب هو التقاعس او الخيانات او التواطؤ او الجبن او الانكسار او الاوامر الخاطئة او قلة العدد والعدة ؛ واياً كان الجواب فهو دليل واضح على سذاجة الخطط العسكرية وضعف التدريب وانعدام كفاءة القيادات الميدانية وبدائية وسائل السيطرة والانذار والمخابرة والمخابرات وضعف التنسيق بين القطعات رغم التقدم التكنولوجي الهائل وهبوط المعنويات وانعدم روح التضحية واهتزاز قيم الرجولة ؛ يقابلها النجاة بالنفس .. لان كل شيء انتهى ؛ في حين ان المتطوعين المدنيين من قوات الحشد الشعبي استطاعت ان تصمد وتمسك الارض في عدد من المواقع رغم ضراوة الهجمات الارهابية وشراستها كما ان المدنيين العزل صمدوا وقاتلوا وانتصروا ولو بعد حين كما حصل في آمرلي .. لان المقاتل المقابل اتٍ ليموت حتماً وهو يعرف تماماً بعقليته المتحجرة ودماغه المغسول ان معركته خاسرة ؛ وان دولته زائلة حتى لو اظهر عكس ذلك .
ما جرى في الموصل وغربي العراق وشماله ؛ وصنعاء وشمالها يحتاج الى دراسات وتقويم واجراءات وافعال سريعة وستراتيجية تعيد للعسكرية العربية قوتها وشكيمتها وللمقاتل ثقته بنفسه وقضيته ؛ واول هذه الاجراءات هو بناء الثقة بالنفس ووضع الكفاءات في محلها وتوفير اسباب الصمود والتعاون المشترك بين الفرقاء جميعا وازالة ثقافة اخفاء ( الدشداشة ) تحت القيافة العسكرية من العقول نهائيا .. لان وجود ( الدشداشة ) هو اول اسباب الهزيمة والانكسار.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب