باستطلاع سريع واستقراء بسيط لما مر به العراقيون منذ سبعينيات القرن المنصرم حتى اليوم، نلمس بشكل واضح أن الحال يتأرجح بين ثلاث، فهو تارة سيئ.. وأخرى أسوأ.. وثالثة أكثر سوءا، والمؤسف والمؤلم أن المتسببين في تدهور الحال على هذا المنوال، ليسوا أغرابا عليه، بل هم عراقيون ولدوا على أرض العراق، وشربوا من مائه وأكلوا من ثمراته، وهم كما نقول؛ (من حبال المضيف). وأناس مثل هؤلاء يكون ردعهم أقسى من ردع الغريب على حد قول مثلنا؛ (العضة بالجلال) إذ من المفترض أن يكونوا هم أول الرادعين لمن يحاول مس كيان البلد ووجوده وسيادته حتى لو كان المساس بكلمة. في الأشهر الثمانية الماضيات مر العراق -ومازال- بأصعب ظرف سياسي وأمني، له تداعيات خطيرة، تهدد حاضره مستقبله، وتمس سيادته وكيانه ووجوده، ومع هذا نرى كثيرين يصدحون بأصواتهم وينعقون بكل ما أوتوا من قوة، لرشق الشرفاء من أبناء البلد بما أمكنهم من نعوت ووصف بعيد عن الوطنية، ولنا في هذا شهود كثيرة جسدها شخوص لهم تاريخ في التنابز والمناكفات تحت قبب المجالس وخارجها، كذلك لهم باع طويل في التدخل بشكل مباشر او غير مباشر في تردي الحال السيئ، والحفاظ على الأسوأ، كذلك المساهمة في ديمومة الأكثر سوءا.
لقد كان تصرف بعض الساسة الذين يحسبون أنفسهم وطنيين خلال الأشهر الثمانية الماضية مسيئا، بكل ماتحمله الكلمة من معنى بحق البلاد والعباد، فبعضهم صار بوقا لأجندات تملي عليه تصريحات يرددها كالببغاء، أمام مايكروفونات الفضائيات المغرضة التي تبث سموما مدفوعة الثمن، فيقذف من منصاتها ما شاء من حجر بلا خجل، وفي حقيقة الأمر أن موقفهم هذا ليس جديدا ولا غريبا، فبنظرة خاطفة الى ماضيهم نرى أن هذا كان ديدنهم على مر السنين.
اليوم تتكالب على العراق قوى ضالة، تدفعها أخريات أكثر ضلالة بأهداف لاتخدم فردا واحدا يعدّ نفسه عراقيا ينتمي لهذه الأرض، هي قوى لايمكن التقليل من شرها او الاستهانة بها، لاسيما وقد تعاونت في نشأتها وتغذيتها ودعمها وجلبها الى العراق، من الداخل أحزاب وكتل وشخصيات، ومن الخارج دول وجهات إقليمية وشخصيات أيضا، كانت قد نأت عن أرض العراق بعد ان ضُربت مصالحها الشخصية والفئوية، او لكون الطيور تقع على أشكالها، إذ أن أشكالها لم تجد لها عشا داخل العراق يأويها، بعد أن هُجمت أعشاشها عام 2003. وكلها تعاونت بغية إيصال العراق الى وضع لاتحمد عقباه، وهي في رهان لإيصاله الى نتائج وخيمة، مستقتلة بإعادته الى ماكان عليه قبل ثلاثة عقود. لذا فهي تتعمد السير عكس تيار العملية السياسية، وتسعى في طريق الخراب من دون حسابات أخلاقية. ومن هؤلاء اليوم نجد كثيرين ممن يصفقون لأي خلل او تقهقر في وضع أمني او تلكؤ سياسي او عثرات في سير عجلة البلد. وكان حريا بهم أن يكونوا (عون) وليس (فرعون) والأولى بهم طرح الحلول ووضع الخطط لتقويم الخلل، بدل اتباع سبل التشهير والتنكيل والصراخ بما ينم عما في دواخلهم من نيات وغايات، وهذا مانلمسه اليوم منهم في تداعيات سقوط ثاني أكبر محافظة عراقية بأيدي عصابات متعطشة للدماء، رغم ان الراي العام العالمي أول من وقف مع انتكاسة الجيش، والأخيرة هذه ما كانت لتحدث لولا الخيانة المخزية والتواطؤ المشين الذي تحلى به (حبال المضيف).
إن حبل مضيف يعزف نشازا آن الأوان لقطعه ورميه على غارب مسيرتنا، إن كنا نروم السير قدما في الخلاص من شرور الأغراب والأجناب.