للكوميديا العراقية نكهتها الخاصة ولونها الذي يُعّد علامة ً فارقة في عالم الفن العربي ولطالما كان فنان الكوميديا العراقي خفيف الظل يزرع البسمة على الشفاه مرحب به في كل البيوت العراقية يسمو بفنه على كل المسميات ويتخطى كل الأعراق والأديان والطوائف صاحبُ رسالةٍ حُبٍ وسلام تختزل الكثير من الإسهاب في التفسير ولطالما كُنا حريصون على أن نُشغل المقاعد الأمامية في صالات المسارح عسى أن نُكحل النواظر عن كثب بأصحاب هذا الفن المميز وما أن ينتهي العرض المسرحي حتى نُسارع لإلتقاط صور تذكارية تجمعنا مع فناني الكوميديا حتى إذا ما وقت أعيننا على هاتيك الصور بعد ردح من الزمن إرتسمت الإبتسامة على المُحيّا ، كان سطوع نجم فنان الكوميديا خضير أبو العباس قُبيل نهايات الألفية الثانية علامةٌ مميزة في هذا المضمار ولطالما عُرف الفنان أبو العباس بشخصية الدور الذي أدّاه (عريف شلتاغ) حتى طغت شهرته على إسمه .
الأمر الذي أثار حفيظتنا ظهور (عريف شلتاغ) على قناة المسار إثر حادثة إستشهاد (140) جندي عراقي في تقسيم ناظم الثرثار التي غزت صفحات التواصل الإجتماعي عُقدت إثرها مؤتمرات أطل علينا السيد العبادي ووزير الدفاع ثم قائد طيران الجيش في محاولة لإقناع الرأي العام العراقي الساخط أن القصة كُلها مفبركة ومفتعلة الغاية منها تحطيم الروح المعنوية للجيش العراقي وزعزعة ثقة الشارع العراقي برئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة لأجندات باتت مكشوفة ، مهما يكن الأمر فإن الدم العراقي غالي ومهما كان عدد الشهداء فمع كل شهيدٍ نكبةٌ ومناحةٌ وعوائل لا يعلم الإ الله ما سيحل بها فأهل العراق مُجمعون أن لا… للقتل لا… لزيادة أعداد الأمهات الثكالى لا… للمزيد من النساء الأيامى لا… للمزيد من الولدان اليتامى فلم يعُد في القوس منزع ، إلاّ ان الخطاب الذي تبناه الفنان أبو العباس (العريف شلتاغ) كان دعوة للقتل المفرط ودعوته لإتباع سياسة الأرض المحروقة هي تحريض على العنف والقتل وإهلاك الحرث والنسل ولعلنا نُدرك أن أهل الأنبار من المدنيين العُزل أصبحوا بين مطرقة وسندان من بقى في داره صابراً محتسباً وُصم بالإرهاب أو تأييده لتنظيم (داعش) ومن نزح منهم إلى بغداد كان كمن يستجير من الرمضاء بالنارِ فقد حصدت رحى الموت الكثير الكثير…
ماذا عسانا أن نكتب عن أهل الأنبار ألا يكفيها فخراً أنها المدينة العراقية التي لا وجود لفندق فيها فكل مصاريع الأبواب مشرعة ترحب بالوافدين ، أن طبت وطاب ممشاكم هم أهلٌ لمن تقطعت بهم الأسباب … أهل الدواوين والدلال وهكذا هم كُل أهل العراق الحبيب… مهما كتبنا لن ننصفهم ببضع كلمات … ما يعنينا هنا هو تسليط الضوء على موقف القانون العراقي والدولي أزاء مثل هكذا تصريحات عبر الفضائيات :
خاصة وأن المراقبون للمشهد العراقي يدركون بأن دوامة العنف والإرهاب التي تعصف بالعراق لتحصد أعداداً مرعبة من الضحايا مخلّفة مئات الآف من النساء الأيامى والأمهات الثكالى وملايين من اليتامى هو انعكاس للخطاب الطائفي وللتركيز الإعلامي على البرامج التي يتم بثها في بعض القنوات الفضائية التي تدعو زرع بذرة الفرقة وتغرس الشحناء والبغضاء وتكرس روح الطائفية التي ستأتي على الأخضر قبل اليابس ، خطابات تثير نقمة طائفة ضد أخرى وتؤجج المشاعر العدائية وإن لم يتم تدارك الأمر فإن الجميع سيكتوي بنارها خاصة ًمع غياب الملاحقة القانونية والقضائية لمطلقي الخطابات المُحرضة على العنف دفع أصحاب تلك الأصوات للاستمرار والتصعيد في شحن الشارع وتحفيزه على ترجمة الخطابات لأفعال إجرامية ومما كرس الأمر إن الرؤيا الطائفية مقصودة ومتجذرة في ثنايا الدستور العراقي ابتداء من الديباجة، ولو أمعنا التدبر في المادة (3) من الدستور أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، فهذه المادة تنصرف إلى الهوية الجزئية وبإصرار وتهمل هوية الوطن .
إن العراق اليوم بأمس الحاجة إلى إشاعة روح التعايش ونبذ العنف وتقوية أواصر المحبة بين مكونات الشعب العراقي لتجنيب البلاد خطر الفتنة الطائفية ، ووجب تنفيذ القوانين الخاصة بجرائم الاقتتال والتحريض على العنف , وضرورة بذل الجهود لتضييق وتجفيف منابع ثقافة الكراهية ومحاسبة أي شخص أو وسيلة إعلام أو جماعة تروج أو تنشر مثل هذه الثقافة الخطرة على المجتمع العراقي وإحلال ثقافة الحوار والتسامح ومبادئ حقوق الإنسان وإحترام القانون وقبول الآخر ونبذ التعصب .
موقف القانون العراقي
إن العنف جريمة من الجرائم التي تخل بأمن المجتمع ودعوة صريحة أو مبطنة تدفع بعض مرضى النفوس لارتكاب جرائمهم تحت شتى الأسباب والمبررات والتي ورد حكمها في قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل وفي قانون مكافحة الإرهاب رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٥ فقد يكون بالكلام أو بالفعل، بالكتابة أو بالخطاب الشفهي، بالخداع أو بالسيطرة على ذهنية الفاعل ، بالحث واستغلال مشكلة نفسية أو شخصية لدفع المتهم لارتكاب جريمته ، وتعتبر القوانين الجزائية التهمة من التهم التي توجب إنزال العقاب بالمتهم الذي يثبت تورطه بفعله ، ويتم إيقاع الجزاء القانوني عليها بما يتناسب مع عقوبة الجريمة التي وقعت بناء على فعله ، وتعتبر القوانين الجزائية التهمة من التهم التي توجب إنزال العقاب بالمتهم الذي يثبت تورطه بفعله ، ويتم إيقاع الجزاء القانوني عليها بما يتناسب مع عقوبة الجريمة التي وقعت بناء على فعله، وفعله لا يقل خطورة عن فعل الإجرام والقتل الذي تمارسه بعض الجماعات الإرهابية ، فالقاتل والمُحّرض كلاهما شركاء في الجريمة وعلى الجميع أن يعي حقيقة أن مثل هذه النماذج خطرة على المجتمع ومستقبل البلاد خاصة ونحن نتابع التحريض العلني على شاشات الفضائيات تحريضٌ لن يُبقي ولا يذر .
تضمن نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وتعديلاته في (المواد 23 ، 25 ، 47) على ما يلي :
(المادة 23)
الجرائم من حيث جسامتها ثلاثة أنواع :
الجنايات والجنح والمخالفات
يحدد نوع الجريمة بنوع العقوبة الأشد المقررة لها في القانون وإذا اجتمع في عقوبة جريمة ما الحبس والغرامة فيحدد نوع الجريمة بمقدار عقوبة الحبس المقررة لها في القانون.
(المادة 25 )
الجناية هي الجريمة المعاقب عليها بإحدى العقوبات التالية :
1 . الإعدام
2 . السجن المؤبد.
3 . السجن أكثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة .
(المادة 47)
الفاعل والشريك
يعد فاعلاً للجريمة :
1 – من ارتكبها وحده او مع غيره.
2 – من ساهم في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فقام عمداً أثناء ارتكابها بعمل من الأعمال المكونة لها.
3- من دفع بأية وسيلة، شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً عنها لأي سبب .
تجريم التحبيذ والترويج للعنف في القانون العراقي
وقد أشارت إلى تجريم التحبيذ والترويج للنهج الهدام والكراهية الفقرة (2) ًمن المادة (200) من قانون العقوبات العراقي تنص على ما يلي.
الفقرة (2) : يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل من حبذ او روج أياً من المذاهب التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية او النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية او لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او للقضاء على طبقة اجتماعية لقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية او الاقتصادية او لهدم أي نظم من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة او الإرهاب او أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها :
كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق او على كراهيته او الازدراء به او حبذ او روج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية او حرض على النزاع بين الطوائف والأجناس او أثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق.
المادة (202)
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس كل من أهان بإحدى طرق العلانية الأمة العربية او الشعب العراقي او فئة من سكان العراق او العلم الوطني او شعار الدولة.
المادة (203)
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس وغرامة (لا تقل عن مليون وواحد دينار ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار) كل من شجع بطريق المساعدة المالية او المادية او المعنوية على الجرائم المبينة في المواد المتقدمة من هذا الباب دون ان يكون قاصدا الاشتراك في ارتكابها.
وجريمة تبني منهج الكراهية والعنف والتكفير, لا تختلف عن غيرها من الجرائم وحسب التقسيم التقليدي للجريمة وهي الأركان العامة: المتمثلة بالركن الشرعي. وهو النص القانوني الذي يحكم الجريمة، حيث (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) والركن المادي للجريمة الذي عرفته المادة (28) من قانون العقوبات الحالي على انه (سلوك أجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون ) والسلوك الإجرامي في هذه الجريمة هو التحبيذ والترويج والتمهيد والتحريض كنهج وسلوك قولي وفعلي, ويتحقق الركن المادي بارتباط السلوك المادي للجريمة بالنتيجة الإجرامية من خلال العلاقة سببية للسلوك والنتيجة مع تحقق الركن المعنوي وهو القصد الجرمي الذي عرفته المادة (23) من قانون العقوبات العراقي المعدل بما يلي (القصد الجرمي هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا ً إلى نتيجة الجريمة أو أية نتيجة جرمية أخرى) وهو القصد العام للجريمة .
موقف الدستور العراقي
تنص المادة (130) من الدستور على ما يلي :
تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور.
كما أن الدستور ولأهمية جرائم التحبيذ والترويج للنهج الهدام و الكراهية فقد حظر الدستور الدائم لسنة 2005 في المادة (7)
ثانياً : ـ تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه .
موقف القانون الدولي أزاء الإرهاب والتحريض على العنف والطائفية
إن أكثر من يعاني من الحروب في يومنا هذا هم المدنيون ونظراً لكون حكومات العالم مدركة لتداعيات مثل هذه المواقف فقد اعتمدت عام 1977 أحكاماً جديدة ضمتها إلى القانون الدولي تهدف إلى تعزيز الحماية التي يتمتع بها المدنيون خلال أوقات الحرب. حيث تتشتت العائلات وتُدمّر المنازل ويندر توفر الغذاء والماء وتُقفل المدارس ويصاب الناس بجروح أو يقتلون وتخرّب حياة الناس وتُعرف هذه الأحكام بالبروتوكول الأول والبروتوكول الثاني التي اُلحقت باتفاقيات جنيف وتفرض قيوداً على طرق تسيير العمليات العسكرية وقد صيغ هذان البروتوكولان خصيصاً للتعاطي مع الطبيعة المتغيرة للنزاعات المسلحة وتقدم تكنولوجيا الأسلحة ، ويشكل واجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين عنصراً مفصلياً من البروتوكولين الإضافيين اللذين ينصان على أن على كافة أطراف النزاع مراعاة هذا التمييز وأنه لا يحق لأي طرف استهداف المدنيين. وينص البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني على ضرورة تجنيب المدنيين ويلات النزاع ويشكلان مرحلة حاسمة في تاريخ جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر الطويل لتجنب إزهاق الأرواح العرضي وإصابة المدنيين بجروح وإلحاق الأذى بالممتلكات المدنية ، وقد شكّل البروتوكول الإضافي الثاني أول معاهدة دولية من نوعها وضعت خصيصاً لحماية الأشخاص الذين يعانون من النزاعات المسلحة غير الدولية أو الحروب الأهلية كما يتعين على الأطراف المتحاربة التمييز بين الممتلكات المدنية كالمنازل ودور العبادة وبين الأهداف العسكرية حيث نصت ( المــادة 2 ) والمتعلقة بالمجال الشخصي
للتطبيق على ما يأتي :
1 . يسري هذا الملحق ” البروتوكول ” على كافة الأشخاص الذين يتأثرون بنزاع مسلح وفق مفهوم المادة الأولى وذلك دون أي تمييز مجحف ينبني على العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها أو الانتماء الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو على أية معايير أخرى مماثلة ، إضافة إلى ذلك فإن البروتوكولين الإضافيين يوفران الحماية لأفراد الخدمات الطبية والوحدات ووسائل النقل الطبية بشكل يسمح بتأمين الرعاية الصحية خلال فترات الحرب .
يطلبان من الأطراف المتحاربة البحث عن المفقودين من الطرف الآخر .
يشددان على واجب توفير الطعام والماء والضروريات الأخرى للمدنيين .
رسالة أخيرة نوجهها للإعلام والإعلاميين فالإعلام إما أن يكون هادفاً أو هادماً وشتان بين الإثنين لذا ينبغي التركيز على التربية الوطنية ، يجب أن يغرس الإعلام روح الانتماء الوطني في نفوس الجيل الناشئ والانتماء غريزة بشرية فالفرد ينتمي إلى الأسرة والأسرة إلى المجتمع والمجتمع إلى الوطن لذا يجب أن يدرك الشباب المندفع الحقائق التي بنيت على أساسها العلاقات الاجتماعية حتى يصل إلى مستوى الانتماء الوطني ولتكن كلمات الإعلاميين وخطاباتهم وروداً تُنثر لا رصاص لا يُبقي ولا يذر ، الله الله في العراق ، فالعراق لأهل العراق
ولا مكان للدخلاء والمارقين والغرباء والضربة التي لا تقصم الظهر تقويه .
يا نارُ كوني برداً وسلاماً على أهلنا في العراق
اللهم إحفظ العراق وأهل العراق .