هاتفني أحد الأخوة القراء , وكان متأثرا بخاتمة إحدى المقالات التي قارنت فيها بين المجتمع الألماني ومجتمعاتنا.
وقال: يا أخي إنها العروبة , وهناك في كل مجتمع , مَن هو ناكر لأصله وقيمة هويته.
وأضاف: أنا عربي , وأعتز بعروبتي!
قلت: إن المقالة تشير إلى ذلك لو تأملتها , فما فيها تعبير عن ضرورة إدراك قيمة العروبة وأهميتها , كهوية حضارية ذات قدرات جامعة وخلاقة لإطلاق الطاقات الإنسانية في مجتمعاتنا.
قال: إنهم يحاربونها , ويتنازلون عن اللغة العربية , ويريدون تحقيق إنتماءات غريبة , تنكر جوهر وجودنا وتأريخنا وثقافتنا وتراثنا وقيمنا وتقاليدنا , إننا نعيش زمنا لسحق معالمنا الإنسانية.
إذا تحدثنا عن العروبة , يتهموننا بالشوفينية , وإذا تحدثوا عن هوياتهم القومية , يحسبونها حقا وضرورة للقوة والتلاحم.
وتواصل الحديث بيننا لما يقرب من الساعة.
وبعد أن إنتهينا , تساءلت عن عروبتنا , وهل لها وجود في سلوكنا وتفاعلاتنا السياسية والوطنية , وما بين دول أمة العرب.
ورحت أبحث عنها , فلاقيت صعوبة في العثور عليها إلا في بعض بلداننا!
فالعروبة تدوسها سنابك الجهل والتنكر والتنازل , والسقوط في حبائل التبعية لهذا وذاك , ولجهةٍ أو غيرها من المسميات , المنطلقة نحو تفتيت المفتت , وتقسيم المقسم إلى أقصى ما يمكن.
ولا يُعرف كيف أنكرت الأحزاب الدينية العروبة , وحولتها إلى عدو للدين , وكأن الرسول الكريم لم يكن عربيا هاشميا , ولا القرآن قد أنزل بلسان عربي!
وهذه الحالة السائدة في النشاطات الثقافية والسياسية والفكرية , تضع الأجيال في موقف الحيرة والتشويش , وكأنها تريد أن تقول لهم , بأن كل ما يمت بصلة إلى العرب , لا يتعدى كونه أكاذيب وإفتراءات , فالعرب أمة جهل وقبلية وتبعية , ولا يمكنها أن تعيش إلا كما تعيش المخلوقات الأخرى في سوح الغاب!
حتى صار الحديث عن العروبة , والكتابة في موضوعاتها , نوع من التطرف والكلام المعادي للحياة الوطنية , بل أن بعض الحكومات أخذت تقدم الأدلة والبراهين على أن العروبة عدوة العرب , وأن عليهم التنازل عنها , والتخلي عن لغتهم وما يشير إليهم , ويذوبوا في مجتمعات الدنيا , حد الغياب الحضاري المروّع.
لا زلت أفكر بكلام القارئ العزيز , وأتساءل: لماذا أردينا العروبة قتيلة على قارعة طريق الديمقراطيات المستوردة , والمدججة بأسلحة الفردية والفئوية والتحزبية العمياء , والمجردة من القيم الوطنية , وهي تضع تاج الفساد على رأسها , وتحقق إرادة الآخرين , وقهر الشعب بالحرية؟!!
فهل يستطيع الواحد منا القول: “أنا عربي وأعتز بعروبتي”؟!!!