18 ديسمبر، 2024 6:59 م

قد يكون من عسر التوجه المعرفي والمنهجي الاعتقاد قليلاً أو كثيراً بسعي القوى الاقتصادية المهيمنة على المستوى الكوني بأي شكل ذي وزن نوعي للابتعاد عن مصادر الوقود الأحفوري كمصدر أساسي للطاقة على الرغم من أن كل نتاجات الدعاية السوداء والتضليل الإعلامي المبرمج تحاول خلق صورة في ذهن المتلقي تغاير ذلك.
ومن ناحية أخرى فإن «لعنة النفط» في العالم العربي ليست مقترنة في الواقع بحاجة قوى الهيمنة الكونية ممثلة بالشركات العابرة للقارات والحكومات التي تسيطر عليها وتحدد من سوف يتصدرون منصة الرياسة فيها عبر تمويل حملاتهم الانتخابية، إلى «نفط العرب»، حيث أن الكثير من مراكز ثقل تلك القوى مكتف بنتاجه من النفط بشكل أو بآخر كما هو الحال في حالة الولايات المتحدة في مطلع القرن الواحد والعشرين. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك مسلمة جيوسياسية في ذهن كل الأقطاب الفاعلة في صياغة سياسات مراكز الثقل السالفة الذكر تتمثل بأن ضرورة السيطرة على مصادر النفط في العالم العربي، ومفاتيح توزيعه، وتسعيره، والاستثمارات فيه لا بد أن تكون في يد تلك القوى نفسها، إذ أن ذلك يعزز من قدرتها على كبح إمكانيات أي قوى أخرى على المستوى العالمي قد تسعى للنهوض صناعياً أو تقانياً لمنافسة مشروع قوى الهيمنة وحكوماتها في دول الشمال الغني. وتلك السياسة في الوقت الراهن تستهدف أساساً الصين واليابان لإبقاء تلابيبهما مخنوقة بيد القوى الغربية بشكل يمكنها من إجهاض أي توجهات في تلك الدولتين قد يخالف مصالح قوى الهيمنة تلك.
ويجب عدم نسيان أن النفط أساساً لا يمثل مصدراً للطاقة فقط في العالم الغربي الصناعي المتقدم وإنما عماد كل الصناعات التي يقوم الغرب بإنتاجها باستخدام مشتقات النفط في كل ما قد تتخيله من سيارات، وطيارات، وأدوات تقنية، ومنسوجات صنعية تمثل الجزء الأكبر مما يكتسي بها بنو البشر راهناً، ومعظمها من طبيعة اللدائن البوليميرية التي هي في الواقع شكل من البلاستيك الصنعي المرن؛ وهو ما يعني أن النفط يمثل المادة الخام الأولية في نموذج التصنيع الاستهلاكي القائم على المستوى العالمي والذي هدفه الأول تحقيق الربح السريع وبغض النظر عن أي تبعات بيئية لذلك، ولا أسهل وأفضل وأرخص من النفط لتحقيق ذلك النموذج من التصنيع القائم على الإنتاج اللامحدود بغض النظر عن حاجات المجتمع الذي يجب إقناع أفراده بقوة الإعلام أو غيرها لاستهلاك ما قد لا يحتاجونه فعلياً وعدم التوقف عن ذلك لضمان عدم حدوث كساد اقتصادي رأسمالي عميم.
وذلك يعني في المآل الأخير بأنه «لعنة النفط» لن تبارح العالم العربي لحين تغيير العرب ما بأنفسهم بحيث يسيطرون على مصادر ثرواتهم بأيديهم ويحددون ما يجب أن يتم استخراجه منها من باطن الأرض وما يجب إبقاؤه في باطنها لأجل ضمان إمكانية استمرار حياة البشر على كوكب الأرض التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من دخول مرحلة اللاعودة في سياق كارثة تسخن كوكب الأرض، أو حتى تتغير موازين الهيمنة ونموذج الاقتصاد العالمي القائم على السعي وراء الربح السريع والإنتاج الكتلي الاستهلاكي غير المرتبط بحاجات المجتمعات الحقيقية. وإلى حين تحقق ذلك فإن «لعنة النفط» يبدو أنها لن تبارح مقامها في أرض العرب وحيواتهم ومستقبل أبنائهم.