من دون ادنى شك ان الصراع في المنطقة العربية صراع سياسي ، يوظف الطائفية في خدمة مشروعه ، ولا احد مهما علت قدرته ان يثبت عكس ذلك ، وهو قبل كل شيء صراع بين وامريكا وشركائها الاوربيين الذين ينتظمون معها بحلف شمال الاطلسي ، تنخرط في هذا الصراع قوى اقليمية محلية، عربية كالسعودية وقطر، واسلامية كتركيا وايران ، بهدف تحقيق بعض الادوار الاقليمية ، والمسلم به ان الاروبيين يتطلعون الى جوار امن يحقق لهم الاستقرار الذي يضمن رفاههم ، ذلك الاستقرار الذي اصبح ضرورة اوربية مكنت امريكا من لعبة الابتزاز ، لانه ، اي الاستقرار ، مرتبطة بوضع الجيران العرب الذين تنمو في اوساطهم نزعات التطرف بسبب بؤس الانظمة وجنوحها الشديد الى الاستبداد ، وهذا التطرف مهددة لاستقرار اوربا ورفاهيتها ، وان الاوربيين يعلمون ، بالشواهد والادلة ، علم اليقين ان امريكا هي التي تزرع ذلك التطرف على حدودهم ، من خلال دعمها اللامحدود لانظمة الاستبداد العربي من جهة ، ولاسرائيل التي تظهر عدوانية فاضحة في التعامل مع الفلسطينيين ، ولا شك ان الدول الاوربية المتماهية مع المشروع الامريكي كبريطانيا وفرنسا تقف الموقف ذاته ، هذا التطرف الامريكي يقابل بتطرف عربي ، تستغله امريكا في ابتزاز الاوربيين من خلال مشاريع مكافحته ، وموضوع الابتزاز الامريكي واضح عند الاوربيين ، وقد تكلم فيه مصممو الاستراتيجية الاوربية ، ما جعل اوربا نفسها تجنح نحو تطرف يميني يضمر العداء الشديد لامريكا ، فاليمين المتطرف الاوربي من اشد الرافضين للتنسيق الاوربي الامريكي الذي يراه قائما على سراب لانه لا يضمن لاوربا اي دور بل يجعلها تابعا يدور في الفلك الامريكي ، بل ان اليمين الاوربي المتطرف يذهب الى ابعد من ذلك عندما يرى ان امريكا تدفع اوربا الى صراع داخلي بين غرب اوربا وشرقها ، اي بين الاتحاد الاوربي وروسيا لتقطف هي وحدها الثمار ، ففي تصريح لماري لوبن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي ، وهو اقوى احزاب اليمين الاوربية ، قالت فيه من الحماقة ان تدخل اوربا في حرب باردة مع روسيا ، ما حدى ببعض المحللين الاوربيين الى الذهاب الى ان روسيا قد تستخدم احزاب التطرف كحصان طروادة ، والملاحظ ان نمو التطرف اليميني في اوربا الذي حدث نتيجة ارتهان اوربا الى للقرار الامريكي ادى الى نمو نزعة عنصرية اوربية طالت الاوربيين من اصول افريقية وعربية واسيوية ، وان كان تاثيرها في ذوي الاصول العربية اكبر ، ما دفع المتضررين من تلك النزعة العنصرية الى الانخراط في احزاب يسار متطرف ، يضمر العداء الشديد الامريكا ايضا ، قد لا يجد له اليوم ارضية واسعة في اوربا ، ولكن تعاظم دور اليمين كفيل بتواجد تلك الارضية التي سيتحرك عليها مستقطبا اعدادا كبيرة من العرب وغيرهم ممن اضر بهم نمو اليمين المتطرف ، فقبل الانتخابات الاوربية التي جرت في ايار عام 2041 رات مؤسسة روبير شومان أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والعودة إلى تأكيد الهوية الوطنية في بلدان الاتحاد الأوروبي، من شأنها أن تضعف هذه المؤسسة الأوروبية وتخسرها ثقة مواطنيها ، ومن شأن هذا السيناريو أن يقوّي اليمين الراديكالي في البرلمان الأوروبي بحيث يصبح واقعاً محتماً ، وبالفعل فقد حقق حزب الجبهة القومية الفرنسي ، اليميني المتطرف انتصارا كبيرا ، كما جاءت نتائج الانتخابات البريطانية بفوز كبير لحزب يوكيب – حزب استقلال بريطانيا – المعروف بمعارضته للاتحاد الاوربي ، وقد جاءت ارقام التصويت لليمين مذهلة كما حقق اليسار المتطرف انتصارا في بعض المواقع يرجعه المحللون الى تراجع نسبة الاقبال على الانتخابات .
ما يعنينا من هذا كله هو نمو التطرف الذي يكاد يطيح بالعالم كله ، الا انه اشد فتكا بالكيان العربي القائم على الاستبداد المتحالف مع امريكا ، فامريكا اليوم في زرعها للتطرف وفي حصاد المتحالفين معها من العرب له ، هي مصداق لقول الشاعر : فيك الخصام وانت الخصم والحكم ، واذا ما كانت ديمقراطية اوربا كفيلة بمعالجة الواقع الاوربي الذي يجنح الى الارتماء في المركب الامريكي من خلال معارضة احزاب متطرفة يمينية هي الاغلب ويسارية تنمو بنمو النزعة العنصرية لليمين المتطرف ، وهي احزاب تختلف في برامجها السياسية لكنها متفقة على عداء امريكا ومقارعة مشروعها الذي يريد جر اوربا الى صراعات داخلية توظف في خدمته ، فاوربا ليست رهن المشروع الامريكي الذي تماليه الحكومات وترفضه بعض المعارضات ، اما العرب فانظمة ومعارضات مع المشروع الامريكي ، لان الدكتاتوريات العربية والاستبداد كفيل بخلق معارضات عربية ، متطرفة تطرف الانظمة في استبدادها ، مستعدة للتوقيع لامريكا على كل تنازل تريده مقابل اسقاط تلك الانظمة المستبدة ، ما يجعل الانظمة ومعاراضاتها رهنا للمشروع الامريكي الذي لا يتعامل الا مع من يحقق مصلحة امريكا.
الصراع في منطقتنا هو جزئية من الصراع الكلي الذي يدور بين اقطاب عالمية في هذه الجزئية يبرز دور قطر المزعزع لاستقرار جوارها الخليجي ، وهو دور رغم الازعاج الشديد الذي يسببه لايران الا ان ايران ، ومن منطلق عدو عدوي صديقي تتحمل ذلك الازعاج لانه تاثيراته المباشرة تكون على استقرار غريمتها السعودية التي راحت تزايد على الدور القطري في انخراطها الكامل في المشروع الامريكي ، وتبعتها الامارات المرعوبة من الدور القطري المتنامي ، وقد ركبت الكويت في القطار مجبرة لان واقعها السكاني الذي يتناصفه اسلاميون متناحرون لا يحتمل اية مشكلة، فالدور القطري الذي يمارس بمباركة امريكية كاملة ، لا يجد اية معارضة من القطبين الاسلاميين الابرز من خارج الكيان العربي ، ايران وتركيا ، اللذين يتحركان بما تمليه مصالحهما القومية، التي لا يضر بها احتقان طائفي يجيش في صدور عرب بؤساء.