العرب وتحديات الحروب

العرب وتحديات الحروب

في زمن يشتعل فيه الشرق الأوسط من جديد بنيران الحرب بين إيران وإسرائيل ووسط استمرار المجازر اليومية في قطاع غزة والضفة الغربية، تتصاعد الحاجة إلى موقف عربي موحد، أخلاقي، وإنساني، يعلو فوق الطائفية والانقسام، ويعيد ترتيب الأولويات على أسس إنسانية ووطنية.

لقد تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين اليوم، مع لحظة كتابة هذا المقال، المئة شهيد جديد إضيفوا إلى ٥٦ الف سبقوهم لاذنب لهم سوى انهم يعيشون على ارضهم التي سماها التأريخ  فلسطين . حلقة لا تنتهي من القتل والتدمير والتجويع تمارسه الآلة العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات طويلة بحق أهلنا في غزة والضفة الغربية. لم تعد القضية الفلسطينية مجرد عنوان، بل جرحٌ مفتوحٌ ينزف على مرأى العالم، الذي يكتفي بالصمت، إن لم يكن بالتواطؤ.

وفي الوقت الذي تُسفك فيه دماء الأبرياء، تطل علينا مواجهات مباشرة بالصواريخ الجبارة والطائرات وقنابل المسيرات الذكية بين إيران وإسرائيل ، تهدد بتوسيع دائرة العنف، وتحويل المنطقة كلها إلى مسرح حرب بالوكالة، تحركه شركات السلاح والفكر الاستعماري، التي تتغذى على الانقسام ، وتُشعل الحروب لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية.

إن إيران، رغم الخلافات السياسية معها، دولة مسلمة وجارة تاريخية، ويجب مساندتها والتعامل معها من منطلقات عقلانية . لكن ذلك لا يعني التغاضي عن الصراعات السابقة التي خلفت دماراً  كبيراً كما لا يمكن القبول بمشروع الهيمنة الإقليمية، تحت أي عباءة كانت.

في المقابل، فإن إسرائيل، بقيادة صهيونية متطرفة وحلمها التأريخي في الارض بين النيل والفرات تمارس أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين مستخدمة كل أدوات العنف والتهجير والتجويع في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية والضمير الإنساني. وما يحدث في غزة اليوم هو جريمة ضد الإنسانية لا يمكن الصمت عليها.

أمام هذا المشهد الدموي، فإن موقف المواطن العربي يجب أن يكون واضحاً في الدعوة والايمان بالتكامل العربي ورفض الطائفية التي تُمزق الأوطان وتُسهل التدخلات الخارجية. فالتعصب لا يخدم إلا أعداء الأمة، وهو الثغرة التي تنفذ منها مشاريع التقسيم .

أما الحكومات العربية، فعليها أن تُدرك أن الانقسام لم يعد خياراً بل خطراً وجودياً. المطلوب ليس الاصطفاف وراء هذه الجبهة أو تلك، بل بناء موقف عربي مستقل، موحد، يُدين الاحتلال الإسرائيلي ويُطالب بوقف المجازر بحق الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه رفض زج المنطقة في حرب تخدم فقط مصالح شركات السلاح، ومراكز القوة العالمية التي تسعى لإضعاف الجميع.

لقد آن الأوان لبناء مشروع عربي حقيقي، يقوم على احترام الإنسان العربي وكرامته، ويُعيد للعالم العربي دوره التاريخي كقوة حضارية وإنسانية، لا كأرض محروقة تتنازعها القوى الطائفية والاستعمارية.

الحرب إذا اندلعت على اراضينا، لن تميز بين سني وشيعي، ولا بين مسلم ومسيحي، بل ستحرق الجميع. وحده الوعي ووحدة الصف والابتعاد عن الطائفية، يمكن أن يُشكل جدار صد في وجه هذا الجنون القادم.

إن احترام الأرواح هو البداية، والتكامل العربي هو الطريق، والموقف العادل من فلسطين هو البوصلة. وكل ما دون ذلك، انحدار نحو فوضى لا يستفيد منها سوى من يصنع السلاح ويشتري الصمت.

أحدث المقالات

أحدث المقالات