صورة مضحكة مبكية، كأنها كوميديا تراجيدية، مئات السنين مرت، أجيال من البشر ذهبت، وأخرى نشأت، لكن يبدو أن التاريخ مصر، أن يعيد أشرطته البالية وإسطوانته المشروخة، ويرجعنا الى أيامه الغابرة مرة أخرى.
عاد عصر الدولة الساسانية،الممتدة من بلاد فارس وعاصمتها المدائن، وصراعها مع الدولة الرومانية التي تسيطر على بلاد الشام، وإتخذت من فلسطين مقرا لها، والعرب قبائل متناحرة، يغزو بعضها بعضا، هذا يستعين بالفرس على قومه، وذاك يتآمر مع الروم على أبناء عمه.
لم يعرف العرب الحضارة إلا في منطقتين هناك في العراق حيث مملكة المناذرة التي ترزح تحت السلطة الساسانية وحضارة اليمن السعيد التي تذهب قوافل أجلاف الصحراء إليها للتجارة والتزود بالمؤنة ثم يقصدون الشام لجلب متاع يعينهم على عبادة آلهة من حجر.
عادت الدولة الرومانية، تريد حكم العالم بوجه جديد، رغم أن العناوين مختلفة، لكن الأصل واحدة والأهداف نفسها، وأيضا كان مقرها فلسطين، رفعت شعار حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات، والتصدي لمحور الشر، مارست نهب ثروات الأمة وسلب خيراتها، تطيح بملوك وتستخلف آخرين، الدينار لمن يطيع، والسيف لمن يعصي.
الدولة الساسانية لن تسمح للإمبراطورية الرومانية أن تقف على حدودها، تمد أذرعها في بقاع المعمورة وتهدد وجودها، فشمرت عن ساعدها، وأرجزت إرجوزتها، بتأييد حركات التحرر، ودعم فصائل المقاومة، إزالة اليهود من فلسطين، تصدير الثورة الإسلامية، فكان الصراع في أرض العرب، وكانوا هم الحطب وأدوات اللعب.
عاد الصراع القديم اليوم بنفس الطريقة والإسلوب، أمريكا وإيران يتصارعان في سوريا، ويتنافسان على الإستئثار ببغداد، وأمواج الخليج متلاطمة فيما بينها لا يقر لها قرار، وأورشليم أصبحت محجا لحكام الأمة، يتسابقون إليها لبيع عذرية عروبتهم، والأمة تتقاتل فيما بينها كأعراب الجاهلية، هذا شيعي فإقطعوا رأسه، وهذا سني فإقتلوه.
لم يعرف العرب الكرامة، إلا بعد أن خرج ذلك الرجل الأمي، من جوف الصحراء، مبشرا بفجر جديد، جامع العرب بالكلمة والسيف، فأصبح العرب أمة، حملت مشعل الحرية والإنسانية، التي جسدتها الرسالة الإسلامية، فغلبت الروم في أقصى الأرض، وإنشق إيوان كسرى، وأصبحت مملكتهم من الصين الى غرناطة، أينما تمطر فإن خراجها يعود إليهم.
العرب قبائل وبدو حفاة، يحكمهم الروم والساسان قبل محمد، سلاطين وملوك وأمراء، وهداة للإنسانية جعلهم محمد، بلدان متفرقة، شعوب متحاربة، طوائف يقتلون بعضهم، يأتمر، بعد أن فقدوا محمد، ولن يعودوا الى سابق عهدهم، إلا بظهور محمد.