23 ديسمبر، 2024 1:41 م

العرب والشيعة ، حماقة تتكرر ..!

العرب والشيعة ، حماقة تتكرر ..!

أبلغ حماقة يرتكبها النظام السياسي العربي في ظروف الصراع الراهن  تأتي في دمج النزعة الطائفية بالموقف السياسي ، وتوظيف ثوابت الدين  والعاطفة المذهبية في متغيرات العداء السياسي ، وبتصاعدة محموم لتعميق الكراهية بين الطوائف ، لدرجة يبدو فيها الخطاب الرسمي والمواقف الأعلامية وكأنها تؤسس لبيئة نفسية ينتقل فيها القتال من الساحة السياسية الى المنعطف الطائفي. 
      بشاعة السلوك السياسي الذي ظهر به الرئيس المصري محمد مرسي وهو يصف الشيعة ب( الأنجاس)، وفتاوى اكثر المشايخ والمراجع السلفيين  وتركيز الأعلام في دول الخليج العربي ومواقف الأنظمة والحركات السياسية الذيلية لها ، تعكس أزمة الأشكالية  التأريخية بين العرب والشيعة .
   واذ يسعى الرئيس محمد مرسي لتخفيف الخناق الذي يحيطه من الضغط السياسي والشعبي العارم للشعب المصري المنتفض ضد ظلامية الأخوان ، فأنه يريد بذلك توجيه الصراع وجهة طائفية مذهبية تؤجل رحيله من جهة ، وتحرك المساعدات اليه من دول تناصب الشيعة العداء التاريخي ، هذه الفهلوة السياسية لم يستطع تسويقها في البورصة السياسية .
    غياب القراءات التاريخية والعمق الفكري لدى الكثير من المدارس السياسية والدينية التقليدية العربية ، ترك عندهم خلطا بين الشيعة كمذهب فقهي عقائدي يتبع تعاليم أئمة آل بيت النبوة ويتصف بنزعات ثورية واخلاقية عظيمة الأثر ، وبين التشيع الصفوي السياسي الذي يحمل ضغائن موروثة عن الصراع بين الدولتين العربية والفارسية .
    أقلية الشيعة العرب في محيط سني عربي تتحكم فيه سلطات ذات نظرة استعدائية واقصائية للشيعة على المستوى السياسي والمخيال الديني أيضا ، أورثهم خوف دائم من أبادة يسعون لتغطيتها بالتقية وحلم موؤد بسلطة دنيوية .
  تاريخ من الخوف والتستر والوأد التعريفي وتقنية عالية في تبادل الأسرار  والحياة  في سراديب مغلقة ، أعطى لهم  ثقافة حسية مرهفة تقوم على طبقات من الأحزان والشعور بالظلم واستحضارسنوي ثابت يغطى بالبكاء المرير في لوعة تتماوج مع وقائع المأساة لذكرى المظلمة الأولى ، درس كربلاء و مقتل الأمام الثالث الحسين بن علي .
    تدفقات مشاعر الظلم والأضطهاد والعزل والفقر لدى الشيعي في حياة عدائية استغرقت أكثر من ألف عام ، جعلته يؤسس لذاكرة ضخمة من الآلآم والأحلام ، ذاكرة تستظل فيها معاناة الحاضر تحت ظلال تتمثل صوت الحسين ونحيب زينب في عزلة المعنى ، وغياب النصير .
  العرب وبسبب انعدام غريزة العاطفة وتغلب العزة بالأثم والشهوة المطلقة للسلطة والملك ، لم يفتحوا باب الأعتذار والطمأنينة للشيعة ، ولم يتخذوا منهم متكأّ فقهيا او منهلا لأعذب ماجاءت به عيون الفكر والتقوى للاسلام في مدياتها العلمية والعرفانية ..!
   علاقة النبذ والخوف والأقصاء وعدم الثقة ، بدوافع السلطة ، أجل العناق او الأندماج بين الشيعة والسنة ، كمذاهب لكنه تحقق كمظاهر أجتماعية ومصاهرات دفعت بها مستويات الوعي والتحضر لدى ابناء الطائفتين على حد سواء .
   
 أنحطاط الدولة سياسيا وهيمنة أحزاب الأسلام السياسي في ظل غياب حقوق الأنسان وسلطة القانون ، استدعى مرة اخرى الأستعانة بالنزعة المذهبية والأستقواء بالأنتماء والدعم الطائفي والميليشيات ومشتقاتها، و تلك هي الصورة الحقيقة والعميقة للأفلاس الأخلاقي والسقوط البنيوي لتجربة الحكومات المتداعية .
   أعلان العداء والحرب على الشيعة وحرمانهم من الأندماج والتشارك وحق العيش والحكم وتكافؤ الفرص ، لا يشير لخلل بالعقلية السياسية او    أزمة في التكوين الوجداني والأخلاقي للنظام العربي وحسب ، وانما هو  تقديم  جوائز ثمينة ومجانية للدول المجاورة مثل ايران واسرائيل ..!
[email protected]