19 ديسمبر، 2024 12:05 ص

العرب السنة وفوبيا الشيعة ومشروع الدولة العراقية الموحدة

العرب السنة وفوبيا الشيعة ومشروع الدولة العراقية الموحدة

مرة اخرى تطفو على سطح الاحداث في العراق التقاطعات القومية والمذهبية بين المكونات الاساسية للمجتمع العراقي . هذه الاحداث ترتبط بمحركات اقليمية تدفع باتجاه التقاطع لمصالح زعماء الطوائف والمذاهب والقوميات وشيوخ العشائر وليس دفاعاً عن حقوق جميع المكونات بما فيهم الشعب الكردي الذي يغذيه زعماؤه ثقافة الانفصال و التنكر الى الانتماء الى الدولة العراقية.
العرب السنة كانوا مترددين في دخول العملية السياسية منذ البداية , وبعد حوارات وتفاهمات عادوا ودخلوا الى العملية السياسية بتردد. يجب ان لا ننكر ان العرب السنة فاقدي الثقة بالعرب الشيعة الذين مثلوا الاكثرية في الحكومات التي تلت عام 2003 يعود ذلك لاسباب تاريخية ليس هنا مجالاً لذكرها .  فوبيا الشيعة ايضاً دفع قيادات العرب السنة للارتباط بالمحركات الاقليمية اعتقاداً منهم بان اماكنهم في حكومة بغداد (الشيعية) دون الطموح . التردد والفوبيا الشيعية ورط قيادات السنة  ايضاًبالاحتفاظ سراً ببعض المناهج المسلحة عن طريق التنسيق مع المسلحين , وهذا كما يبدو جعلهم يصطدمون بقوانين الحكومة التي تكافح الارهاب , لان اي عمل مسلح خارج التنسيق مع الحكومة يعتبر ارهاباً حسب مفهوم المادة الرابعة ارهاب والتي دخلت ضمن مطاليب المحتجين في الانبار. خلال السنوات العشر الماضية تمسك العرب السنة بهذا المنهج المرتكز على المحركات الاقليمية والتنسيق مع التنظيمات المسلحة او تشكيل مليشيات وفرق اغتيالات احياناً وفي نفس الوقت استمرارها باشغال اعلى المناصب في الدولة كما هو الحال في ملف السيد طارق الهاشمي الذي كان يحتمي بالماكنات الاقليمية وفي نفس الوقت كانت حمايته تمارس العمل المسلح.
العملية السياسية في العراق خلال السنوات الماضية تمثلت في شقين كلاهما داخل الحكومة ولكن احدهما يعمل معارض للاخر ويعرقل العمل الحكومي كما هو الحال في مسار الدكتور اياد علاوي واعضاء القائمة العراقية, الذين لم يتمكن الشارع العراقي من تشخيصهم معارضة ام سلطة. وفي نفس الوقت كانوا يستعينون بقوة علاقاتهم الاقليمية على الحكومة العراقية التي يشغل اعضاء القائمة العراقية كثير من المناصب الوزارية والادارية فيها بالاضافة الى اعضاء البرلمان .
هذا المنهج ذاته تشتغل به القيادات الكردية مع الفارق بان البيشمركة لها وظائف مشروعة لحماية الامن الداخلي في كردستان الا ان القيادات الكردية  تحشد علاقاتها الاقليمية للاستقواء على حكومة بغداد وترفض في نفس الوقت اعلان الانفصال عنها, فاقليم كردستان هو دولة مستقلة وعلم وجيش واستثمارات وحكومة وبرلمان ولم ينقصه الا اعلان الدولة الا ان القادة الكرد مصرين على تاسيس دولة تعيش متطفلة على مشروع الدولة العراقية وفي نفس الوقت اذا تحدثت مع اي كردي يقول انا كردستاني وليس عراقي!
فقرة اخرى هي تلكؤ الحكومة العراقية وضعفها للسيطرة على عمليات الرشوة والفساد والتباطؤ في تنفيذ المشاريع والاختراقات الامنية والمحسوبية والمنسوبية والتزوير وتعيين الاميين وتهريب النخبة والتكنوقراط واهمال المحافظات العراقية وفساد الموانئ ودوائر التقييس والسيطرة التجارية وهدر المال العام ونمو المافيات بالاشتراك مع مسؤولي الدولة, كل ذلك جعل الحكومة العراقية غير محترمة من الدول الاقليمية والعالمية واعطت ادلة ضدها . فحين يعرض خصوم السيد رئيس الوزراء اوضاع العراق على  الدوائر الاقليمية والعالمية يصغون اليه لان واقع حال العراق يدل على ذلك.
المكون السني وسكان المنطقة الغربية يصرون على ان حكومة العراق هي حكومة تمثل الشيعة  في حين ان سكان المناطق الشيعية هم اكثر سكان العراق تضرراً اقتصادياً واجتماعياً, اي ان الشيعة لم يكونو مستفيدين من حكومتهم كما ان السنة كذلك لكن للشيعة اساليبهم ومناهجهم للبحث عن بدائل للادارات السياسية ربما مختلفة الى حدٍ ما عن المناهج التي ينتهجها سنة العراق وقياداتهم لايجاد بدائل حكومية افضل.
لقد كشفت مظاهرات الانبار شكل الاوراق التي ينتهجها السنة العرب في العراق فهم: 1- دلت تصريحات السيد رافع العيساوي انه لا يحترم دوائر الدولة واعتبر شرطتها عبارة عن مليشيا وتعامل مع الحكومة ليس كوزير يعتبر جزء منها بل تعامل وكأنه زعيم مليشيا معارض يهدد باساليب عنيفة . 2- التهديد بتاسيس اقليم وانفصاله عن الدولة العراقية على شاكلة الاقليم الكردي 3- الاستقواء بدولة اجنبية ورفع العلم التركي فقط لاسباب مذهبية دلالة على ان المنهج التركي الذي يدفع بالاكراد للانفصال عن العراق له نفس المسلك مع سنة العراق ليدفعهم الى الانفصال من اجل تقسيم العراق واضعافه ايضاً.  رفع علم الجيش السوري الحر اظهر ان السنة العرب مرشحين ليكونوا جزءاً من الحرب الطائفية الدائرة في المنطقة والتي يعمل ساسة العراق ومراجعه ومفكريه على ابعاد العراق ومكوناته عن الحرب الطائفية لانها غير موجودة في الثقافة العراقية. 4- رفع العلم القديم واناشيد حزب البعث اظهرت ايضاً ان السنة العرب مازالوا يراهنون على ورقة البعث ومطالبتهم بالغاء الحظر عن الحزب اثار سكان الجنوب وذكرهم بالمقابر الجماعية لابنائهم في عهد البعث البائد. 5- تحدث قادة السنة بحقد وكره واهانه وسب الى المكون الشيعي امام المتظاهرين.
هذه النقاط وغيرها اظهرت فوبيا حقيقية وعدم ثقة من المكون السني في المناطق الغربية لشيعة الوسط والجنوب ، مع ان شيعة الجنوب لهم نفس المعاناة من الحكومة ويتمنون تغييرها او اصلاح اوضاعها الا ان ثوار الانبار ثاروا لسنيتهم اكثر من ثورتهم لعراقيتهم واصلاح اوضاعهم الاقتصادية والسياسية كما هو الحال في عموم العراق .
ان منهج الاستقواء بالمحركات الاقليمية التي تتضح اهدافها في تقسيم العراق سوف لن تكون لصالح سنة العراق او اكراده فمصالح المكونين في بغداد وعلى طاولة الحوار وحسن النوايا والتزامهم بقوانين الدولة ودستورها ، عين على الحكومة وعين على المحركات الاقليمية او العنف والارهاب والحروب الطائفية لا يجدي نفعاً ويدفع البلاد للتقسيم .
 ان تقسيم العراق لو حصل فهو لصالح الشيعة العرب بدون منافس لاسباب عديدة منها: 1- اراضي المناطق الشيعية منفتحة على المياه الدولية والحدود البرية  لثلاث دول 2- تضم اراضي الوسط والجنوب ثروة نفطية هائلة تشكل الجزء الاعظم من ثروة العراق 3- تضم محافظة البصرة اكبر المواني العراقية وانابيب نقل النفط عبر السعودية ومن الممكن التنسيق مع الكويت وايران لانشاء خطوط انابيب جديدة  4- تضم المحافظات الوسطى العتبات المقدسة التي تعد اكبر مناطق جذب للسياحة الدينية في المنطقة بعد مكة المكرمة.5-  سكان المناطق الوسطى والجنوبية شعب منسجم ويحمل ثقافة وتاريخ واحد وهو اصل الحضارة السومرية الطينية في العراق منذ 5 الاف سنة, الجنوب العراقي هو روح العراق الشفافة الرومانسية الذي يحمل الغنى والبساطة والحزن والشعر في ان واحد ، شيعة العراق يعتزون بقوميتهم العربية وبلدهم العراق الموحد وتستوعب ارض الجنوب كل اطياف واثنيات العراق ويسيربه الكردي والدليمي بزيهما التقليدي في شوارع البصرة والناصرية مرفوعي الراس بين اهلهم، وهذه مدخرات جنوبية ممزوجة مع طبيعة سكان الجنوب الكرماء البسطاء .
مع كل ذلك كما توجد دوافع ومشجعين ودوائر اقليمية لدفع الاكراد الى الانفصال وسكان المناطق الغربية الى عداء الشيعة العرب وايضاً تشجيعهم على اقامة الاقاليم تمهيداً للانفصال ، فان الشيعة العرب ايضاً يتعرضون لنفس الضغوط الداخلية والخارجية للانفصال ولربما التجاوز على المكون الشيعي سيمنعهم من السماح لذهاب نفطهم الى صحراء الرمادي وجبال كردستان حيث لا مبرر هناك لاستخدام عائدات نفط الجنوب لاعمار المناطق الغربية والشمالية طالما الاكراد لا يتشرفون بانتماءهم الى العراق . اما التخوين والازدراء والمطالبة بعودة البعث وخطابات القادة وسلوكهم في المناطق الغربية فهو دافع اخر لقطع واردات الجنوب واقامة دولة العراق الجنوبية الغنية بالنفط والموقع الاستراتيجي.
بين هذه المعوقات والتدخلات الاقليمية يبقى مشروع الدولة العراقية الموحدة مشروع صعب التحقيق, على الرغم من ان العراق الموحد عربياً احد مدخرات العرب وله ثقله ودوره في توازن ودعم المنطقة العربية وتقوية دور الجامعة العربية الا ان هناك من الدول العربية من يعمل على تفتيت البلد لاغراض مشبوهة  لاضعاف العرب عموماً , وليس اسهل من موجة الطائفية والتدخلات في شؤون العراق الداخلية لتسهيل تمزيق البلد وتقسيمه. لهذا على المكونات العراقية ركوب موجة الواقع ومنع الاقتتال الداخلي حتى ولو كان ثمنه التقسيم . القادة العراقيون اقل خبرة من ماكينات التدخل واضعف واكثر استعداداً للتفرقة والاختلاف من الوحدة  وتعزيز الثقة بينهم , مع انه دول كثيرة في المنطقة ستتضرر من تقسيم العراق لكنه اتٍ….