لم يكتشف العرب تأريخهم وما تعلموا منه ولا فقهوه!!!
مَن إكتشف حضارة وادي الرافدين؟
مَن إكتشف الحضارة المصرية ومقابر الفراعنة والأهرامات؟
مَن فك رموز اللغات القديمة المسمارية والفرعونية؟
لم يكن للعرب دور في ذلك , فالذي إكتشفها الأجانب , فهم الذين أدلونا على ذاتنا وتأريخنا , ولولاهم لبقينا كالقشة في مهب الريح لا تعرف لها غضنا ولا ساقا وجذرا.
لم يكتشف العرب تأريخهم وهذه حقيقة دامغة ساطعة ومؤلمة!!!
تدل على عمق الجهل وعدم الإحساس بتواصل الأجيال وتفاعل الأفكار وتلاقح العقول.
فالعرب كل العرب , واحدهم واحد , ولا غيره واحد , وهذا السلوك نابع من عدم الإكتراث والفهم والتفاعل مع التأريخ.
قد يتوهم البعض ويتصور بأن العرب مهووسون بالتأريخ , لأن أكثر ما يكتبونه عن الماضي , والحقيقة أن هذه ضلالة تضاف إلى ضلالاتهم المتراكمة , فما يُكتب عبارة عن هزيمة من الحاضر والمستقبل وتشبث بأوهام وخيالات وفنتازيا ماضوية مَرضية , وإنشغال بما مضى وما انقصى , وهو مستحضر من قبل غيرهم لإلهائهم وإمتلاكهم , وتحويلهم إلى شراذم متصارعة لا تعرف لماذا تتقاتل وتهون.
وفشل العرب في قراءة تأريخهم الذي صنعه لهم الدين , وقد قرأه الأجنبي لهم وأدركه خير منهم , وما نقرأه بأقلامهم يؤكد سوء القراءة والأمية واللاعلمية واللاموضوعية , وتحميل التأريخ ما لا يستحقه ويليق به.
وهكذا فالآخر هو الذي أدلنا على ذاتنا وهويتنا ومسيرتنا , وهو الذي نقب واكتشف , وقال أن هناك حضارة في وادي الرافدين والنيل وغيرها.
وما أسهم عربي واحد في إكتشاف حضارته قبلهم!!
ذلك أن واقع السلوك العربي عبارة عن مفردات عدوان على التأريخ , وتدمير مروع للموروثات القائمة في المكان , وقد إنتشل الآخر الآثار من عدوانيتنا.
ولهذا لا نجد الأجيال قد تواصلت في الحفاظ على الآثار , وإحترامها وتقدير قيمتها ودورها في الحياة , فقصور بغداد وسامراء إندثرت وضاعت , ومن عجائب العجب أن الملوية بقيت شامخة ومتحدية لعدوانيتنا!!
بينما في بلاد الأندلس حافظ الآخر على التراث العربي والعمارة العربية , والقصور والجوامع والكثير مما شيده العرب وأسهموا به , ولولا الزلازل لبقيت الأندلس كما تركها العرب , وبعض البيوت والمحلات لا تزال مثلما كانت في زمانها القديم.
إن التوجه العدواني والإتلافي يمضي مع الأجيال بمشاعر سلبية ومواقف ضارة بالمسيرة والعظاء والقدرة على التفاعل مع الزمن.
وما يستسهله العربي هو الإنهيال بغضبه وعدوانيته على ما مضى منذ بضعة عقود أو عشرات القرون , فيسطر مشاعره في كتابات مروعة , فيكتب بإنفعالية حامية وعدوانية ضارية , ويكرر هذا السلوك ولا يشفى منه.
أن الحياة المعاصرة تتطلب أن يقف العرب إزاء أنفسهم , ويدركون ذاتهم ويقررون مصيرهم , فقد طفح كيل المذلة والهوان , وما عاد هناك متسع لجعل الآخرين يقررون ما يجب أن نكون عليه.
فلنعرف تأريخنا ونصدق قولنا ونؤمن بأنفسنا , ونرتقي بأحوالنا ونطّهر القلوب والنفوس والعقول والأرواح من الأضاليل , التي أجهزت على جوهر وجودنا , وسعت لمحق ما يشير إلينا ويعبّر عن دورنا الحضاري الإنساني المنير.