23 نوفمبر، 2024 7:09 ص
Search
Close this search box.

العربية في دلالة الاصطلاحات

العربية في دلالة الاصطلاحات

ان عدم تمكن العقل العربي من لغته العربية يعني عدم التعمق في دلالة المفردات مما يبهم القصد ويحرف معناه الى غير المراد فيأتي الفكر عاجزاً عن التأثير في محيطه وفاقداًَ للصفة العلمية مما دفع بالمفكر العربي ان يلجأ الى اللغة الاجنبية بناءاً على قناعة كونها متمكنة من مباشرتها وصياغة تصورات مستخدميها في المجالات كافة.
 على سبيل المثال: مفردة (God) الانكليزية التي تشير فور استعمالها الى معنى (الله) او (الاله) بينما في اللغة العربية تستعمل كلمة (الرب) و (المولى) و (الله) و (الاله). وفي الوقت الذي تفيد فيه كلمة (الرب والمولى) معنى (السيد) من الناحية السياسية، نجد ان كلمة (الله) تفيد معنى (السيادة الكونية) بينما كلمة (اله) تفيد معنى الترابط الروحي بين الانسان والخالق، معنى العبودية الدينية التي يحتاجها الانسان لطمأنينته النفسية. وهذه المعاني بالتأكيد لا تطالها كلمة (God) الانكليزية ولا كلمة (Dieu) الفرنسية.
 فالمحدودية في اللفظ الاجنبي تؤدي الى سهولة التناول لكنها لا تؤدي الى (العمق الفكري)، وهذا احد اهم اسباب الفراغ الفكري في المجتمعات الاوربية، وقارئ الفكر الاجنبي ربما كان مثقفاً لكنه بأي حال ليس مفكراً وان حاول ان يظهر كذلك، وكثيرون من هؤلاء ومن خلال سهولة التناول يترجمون ما يقرأون اما ممارسة سياسية واما ممارسة ثقافية عبر الكتب والمؤتمرات.
 ان انسحاب هذه الترجمة على الواقع الفكري والسياسي العربي دليل على كونها مصدراً مهماً من مصادر التخلف الناتج عن صراعها، كقناعة علمية مع القناعات التقليدية العامة والاوسع انتشاراً والتي ترى فيها ربما لصعوبة تناولها جهلاً وتخلفاً… وهو حكم على الظواهر السطحية المرتبطة بشكل ما بالتقاليد او الفكر الديني فيأتي الحكم ليطال الفكر الديني نفسه وليس مظاهر الخارجية المشوبة، ربما بطوارئ طقسية مقتبسة.
 ونتيجة لهذا الصراع يفقد الفكر اللغوي العربي القدرة على امتلاك مفهوم موحد للبناء الفكري وهو عجز يفسره المثقفون بـ(فقدان الايديولوجية) ويفسره العامة بـ(التدخل الاستعماري الاجنبي) وهو تفسير يجعل المفكرين مدانين قومياً وعقائدياً بارتباطهم بفكر واهداف اعداء القومية والعقيدة، وربما تبرر تلك الادانة من خلال (القحط) في الفكر العربي وزخم عطاء الفكر الاجنبي ترجمة واقتباساً تحت اسماء عربية وحدها تمثل التطور والفكر والوعي والعلم والثقافة وما عداها جهل واصفرار وسحر واساطير…
 انسحاب هذا المفهوم على الساحة العربية يبدأ بحملة نابليون على مصر لهدف ثقافي وليس لاهداف عسكرية او اقتصادية، وهي حملة كرسها محمد علي والي مصر في حملته على بواكير النهضة العربية لقهرها وكبتها لصالح المفاهيم الحديثة التي حملها نابليون الى المنطقة، وهي مفاهيم لا تميز كثيراً بين (العرقية) و(القومية) و(الامة) كما يميز بينها الفكر العربي بل تكاد هذه المفاهيم تختلط وتشكل وحدة لفظية ذات مدلول واحد.
 مثال لغوي: Nationalité, Peuple  الفرنسيتان، حيث تفيد الاولى معنى (العرق) و(القومية) و(الوطن) بينما تفيد الثانية معنى (الجمهور) او (الشعب) من دون تمييز.
في ضوء هذين الاصطلاحين الاجنبيين يشتد النزاع الثقافي لايجاد اطار مقبول لمفهوم (القومية العربية). يمكن اطلاق كلمة (الشعب العربي) على الجمهور (Peuple) المقيم على الارض العربية كلها ويمكن بالتالي حصر هذا الشعب ضمن كلمة Nationalité التي تحدد الانتماء الى وطن وقوم وجنس (عرق) حتى وان كان قسم كبير من هذا الشعب غير عربي الاصل.
 ان اللغة العربية اكثر موضوعية وعلمية في هذا المجال، فهي تميز بين (العرق) وبين (القومية) من جهة، وتميز كذلك بين (القومية) وبين (الامة) من جهة ثانية، على صعيد لغوي بحت، اما على الصعيد الثقافي العلمي السياسي فبالامكان ملاحظة التمييز نفسه في استعمال بعض الايات القرآنية لهذه العبارات في مواضع مختلفة تؤدي اغراضها بدقة متناهية وتحديد دقيق للمرمى والهدف حيث يستعمل كلمة (قوم) بديلاً للمفهوم المعاصر (وطن) و (مواطنة) في حين درجت العادة على تداول (القيام) بمعنى (النهوض) بينما تعني (الوقوف) و (المكث) ومنها (الاقامة) اي مكان المكث والسكن. فالقوم بهذا المعنى مجموعة من الناس قد تكون من (عرق واحد) وقد تكون متعددة تجمعها مصلحة مشتركة في العيش على بقعة جغرافية معينة من الارض بغض النظر عن الاختلاف الفكري بين افرادها كسمة مميزة لحرية المعتقد حتى بين اولئك المنحدرين من عرق واحد. لاحظ مثلاً: “وكذب به قومك وهو الحق” ، “قوم فرعون”، فيهم المصريون وغير المصريين، “بنو اسرائيل” مثلاً و “قوم موسى”، المفترض انهم بنو اسرائيل كان فيهم مصريون واغريق وهنود. فالقومية اذاً هي (المواطنة) التي لا ترتبط ولا تنتمي لعرق معين. ومن هنا تجاوز الفكر العربي- اسلاماً- الجانب العنصري العرقي ونسب الى الاتجاه الفكري (قوم موسى) نسبة الى الفكر الموسوي، قوم فرعون، نسبة الى فكر فرعون، قوم نوح نسبة الى فكر نوح، وما يعارض او يقابل هذا الفكر.
 اما (الامة) فهي جماعة تلتقي على نسق واحد من الفهم والوعي والتفكير قد لا تجتمع على ارض معينة او بقعة محددة من الارض مثل (القوم) وقد تجتمع. الا ان اجتماعها يأخذ شكل (القومية) دون طابعها على عكس القومية التي لا تأخذ شكل الامة ولا طابعها، فتكون (الامة) بذلك اوسع واشمل واقوى من (القومية) وذلك بتأثير وحدة (الامة) الفكرية. فالعرب مثلاً هم الظاهرة الوحيدة التي تجمع بين مواصفات (الامة) ومواصفات (القومية) وبالتالي فان (المسلمين) امة لكنهم ليسوا قومية.
 وهكذا نجد الفكر العربي انساناً ارقى واكثر تقدمية من الطروحات الاجنبية ذات الطابع العرقي العنصري، كما ان الفكر العربي اسلامياً  يعتبر الانتماء العرقي الى (اب) او (عرق) قومي برابطة الجسد، بل ان الارتباط العقائدي يسمو  اسلامياً على رباط الدم.
 ولذا يحذر المؤمنين والمسلمين من طاعة ابائهم ان استحبوا الفكر على الايمان كما يحذرهم من وضع الوظائف في ايدي ابائهم واخوانهم ان اختلفوا عنهم في الفكر والاعتقاد، لأن جهدهم لا بد ان يوظف في خدمة ما يعتقدون.
 ونقرأ في القرآن: “ان ابراهيم كان امة” و “كنتم خير امة اخرجت للناس” وايضاً.. فكيف يكون ابراهيم امة وهو فرد، وكيف يكون المجموع امة موازية للفرد؟
 الجواب بسيط: ان الامة تعني وجود نسق معين من التفكير يربط بين الكون والانسان والمجتمع في نظرة متكاملة بغض النظر عن خطئها او صوابها، وتعتمد منهجاً محدداً في عملية الربط هذه بحيث تشكل نظرية مميزة تعرف بالمفهوم المعاصر بـ (ايديولوجية) بتفاوت مستوى الوعي لدى اتباعها بقدر التفاوت بين المقدمة والمؤخرة بين المؤسس وآخر الاتباع في رعيته.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات