18 ديسمبر، 2024 4:56 م

العربان يهللون للامريكان

العربان يهللون للامريكان

استيقظ العرب والعالم فجر يوم الثامن من آذار الماضي، على نبأ الضربة الامريكية على قاعدة جوية للنظام السوري، ولم يستقبل العرب شعوبا وحكومات، تلك الضربة بنشيد الله أكبر، كما اعتادوا عليه، كلما كانت تبدأ معركة مع العدو( الصهيوني) (الصدق اليوم!) وتنتهي تلك الجعجعة الفارغة بخسارة المزيد من الاراضي العربية وهزائم مذلة للعرب، كانت الشعوب العربية تتظاهر ضد العدوان (الانكلو الامريكي الصهيوني ) وتتوعد المعتدين، بالويل والثبور وعظائم الامور! تمضي السنون فلا ويل ولا ثبور بل مزيد من الاذلال والخنوع لحكامهم الاذلاء، ويستمر قرع طبول التحرير، والمقاومة والممانعة، الا ان حكامهم جميعا دون استثناء، مقاومتهم كانت لشعوبهم وممانعتهم لتطلعاتها المشروعة في الحرية والحياة الكريمة.
أعود الى قضية العدوان الامريكي الذي وقع فجر ذلك اليوم على قاعدة جوية سورية وما نجم عن ذلك من خسائر بشرية ومادية، ردا على ضرب النظام السوري لمدينة خان شيخون السورية بالسلاح الكيميائي وسقوط ضحايا من المدنيين، حسب ادعاء المعارضات السورية التي صدقتها الادارة الامريكية على الفور ونفي النظام قيامه بتلك الجريمة المروعة والقى التهمة على المعارضات، بالرغم من غير المستبعد ان يكون النظام قد نفذ تلك الجريمة، كما فعلتها نظيرته، نظام البعث العراقي بأمر من رأس النظام المقبور، في ضربه لمدينة حلبجة بالكيميائي، كما انه من غير المستبعد ان تكون تلك الفعلة الاجرامية من صنع أطراف من المعارضات التي تتوزع ولاءاتها بين دول الخليج وعلى رأسها نظام آل سعودي الوهابي الذي خرجت كل المنظمات التكفيرية الارهابية من تحت عباءته، وبين نظام السلطان ألعثماني الجديد أردوغان، الذي يحلم بأعادة أمجاد أسلافه سلاطين آل عثمان، ويحاول اعادة الحياة عبثا للرجل الميت. تلك السلطنة التي أذاقت شعوب البلدان التي استعمرتها سوم العذاب في مقدمتهم العرب. لكن العربان، حكاما ومعظم رعايا بلدانهم، بمن فيهم مجاميع ممن كانوا يعدون انفسسهم مثقفين واعلاميين، الذين كانوا يصدعون رؤوسنا، بأكذوبة فلسطين هي القضية المركزية للعرب، نجدهم اليوم يهللون للفعلة الامريكية ضد سوريا (العربية) بل أكثر من ذلك يطالبون الولايات المتحدة بالاستمرار في ضرب سوريا حتى يسقط نظام الاسد! عجيب والله أمر العرب، وهذه الازدواجية في المعايير، فعند الغزو الأمريكي للعراق، وقيام الطائرات الامريكية بدك المدن العراقية وأسقاط نظام صدام الدكتاتوري البغيض، كان ذلك عدوانا واحتلالا، وكانوا يعيبون على العراقيين المكتوين بنار ذلك النظام، عدم انخراطهم في مقاومة جيش الاحتلال، لكن النظام الذي لم يصمد أكثر من ثلاثة أسابيع وانهزم شر هزيمة، بجيوشيه الجرارة وأجهزته القمعية وأعضاء حزبة الذين كانوا يقدرون بمئات الالاف، خيب آمالهم، وسبب ذلك كان يعود الى عزلة النظام وتطلع غالبية الشعب العراقي ومنهم عدد كبير من منتسبي حزبه الفاشي من الخلاص بأية أيد كانت حتى لو كان المنقذ شيطانا. لقد استقبل العرب سقوط نظام البعث العراقي على يد الامريكان بالاستنكار، فكان ذلك عدوانا واحتلالا، وفتحوا ابواب جهنم على العراقيين، تمويلا بالرجال والاموال، من قبل الانظمة الخليجية وعلى رأسها نظام آل السعودي الوهابي، واحتضن النظام البعثي الدكتاتوري السوري قادة النظام المباد على اراضيه وهيأ لهم سبل ما أسماه بمقاومة المحتل وفتح اراضيه على مصراعيها امام تدفق الارهابيين من مختلف بقاع الارض وفتح معسكرات التدريب لهم وقام بدفع هؤلاء الى الاراضي العراقية، بسياراتهم المفخخة واحزمتهم الناسفة، لايقاع المزيد من الضحايا من الشهداء والجرحى بين صفوف المواطنين العراقيين الابرياء. كل ذلك كان يجري تحت ستار مقاومة المحتل الامريكي، ولم تكن هناك مقاومة حقيقية، وانما انخرط في صفوف تلك المقاومة المزعومة، فلول الاجهزة القمعية للنظام المباد بتحالف مع قوى الارهاب الظلامي التكفيري القاعدي، كل له مآربه فأعوان النظام سلكوا طريق المقاومة خوفا من انتقام الشعب لجرائمهم بحقه، والاخرون ومن جاء من بعدهم، كان هدفهم هو تخليص العراق من معظم سكانه (الكفرة) حسب المفهوم الوهابي. اما ما جرى بالامس على يد الامريكان فهو تحرير من نظام ظالم! فالعدو المحتل بالامس اصبح صديقا ومحررا اليوم، عجيب أمر هذه الامة التي انجبت هؤلاء الحكام وهذه النخب السياسية والثقافية، تنساق مع ما يخططون له، من شر وبلاء، بتواطئ مع اليانكي الامريكي والحليف الجديد لهم، أسرائيل!.
ان جريمة استعمال السلاح الكيمائي في سوريا وغير سوريا أيا كان الفاعل هي جريمة ضد الانسانية يقتضي من محبي الحرية والانصار الحقيقيين لحقوق الانسان شجبه واستنكاره. فلماذا العربان يكيلون بمكيالين، ألم يضرب نظام البعث العراقي مدينة حلبجة ومناطق اخرى في كردستان العراق بالسلاح الكيمائي، عام،1988 وخلَفت تلك الجريمة المروعة الاف الشهداء والمعوقين وتدمير كامل للبيئة، وكان الضحايا اضعافا مضاعفة ممن سقطوا في خان شيخون؟، لماذا صمت العربان العميان عن هول تلك الجريمة، بل كانوا يقدمون الدعم لنظام صدام عند قيامه بمجازر دموية ضد الشعب العراقي طيلة سنوات حكمه الاسود ؟ هل ان دماء العراقيون كان رخيصا الى هذا الحد آنذاك؟.
لأول مرة في تاريخ العرب الحديث نرى أجماعا من الحكام العرب وابناء عمومتهم في اسرائيل على الوقوف مع الامريكان بشكل علني، في عدوانه على بلد (عربي شقيق كما كانوا يزعمون)، في الوقت الذي تتمدد اسرائيل في الاراضي العربية وتقضم المزيد من الاراضي، حيث ان البحوث والدراسات تشير الى انه بعد بضعة أعوام ستكون الضفة الغربية ذات أغلبية يهودية، وينتهي الى الابد حلم الدولة الفلسطينية امام انظار العربان، والمصيبة ان غالبية المنظمات الفلسطينية، الكبيرة، حتى التي كانت في ضيافة الشعب السوري لسنوات طوال، لم يكن لها موقف واضح من هذا العدوان.
أين أبواق، (اليوم اليوم وليس غدا أجراس العودة فالتقرع؟)، اما الولايات المتحدة فتاريخها حافل بالاجرام بحق الشعوب وهي أول دولة تستعمل السلاح الذري عندما استعملته ضد اليابان وهي التي استعملت السلاح الكيميائي ضد الشعب الفيتنامي في ثورته التحررية، وشركائها الغربيون هم الذين زودوا نظام صدام بالسلاح الكيميائي الذي استعمل، سواء ضد العراقيين او اثناء الحرب العراقية الايرانية وسكتت عن تلك الجرائم بحق الشعب العراقي، فهل هي مؤهلة لتأديب نظام الاسد بذريعة استعماله للسلاح الكيميائي ضد شعبه؟.
أما النظام البعثي الدكتاتوري الجاثم على صدور الشعب السوري، فينطبق عليه مقولة، (على نفسها جنت براقش) (ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيه)، وما يجري في سوريا من جريان انهار من الدماء وتدمير للبنى التحتية لسوريا والتي بنيت بأيدي أجيال من السوريين، يتحمل هو الجزء الاكبر مما جرى ويجري على الارض السورية، فهو الذي احتضن قادة البعث الصدامي الهاربين من وجه العدالة وهو الذي احتضن الارهابيين وكان يصدرهم الى العراق ليحصدوا ارواح العراقيين بذريعة مقاومة المحتل، واليوم يحصد ما زرعه من ريح سوداء، وهو الذي يحكم سوريا حكما دكتاتوريا منذ نصف قرن. أما العربان فهذا دينهم، اذلاء خانعين يجرَون اذيال الخيبة ليس منذ اليوم بل منذ أمد طويل، وهاهم يهللون للامريكان والصهاينة ويحرضونهم ضد شعب شقيق، وهل أحد يصدق من ان يكون بديل نظام الاسد نظام ديمقراطي تعددي كما يزعمون؟ على يد من سيقام هذه النظام؟ على يد جبهة النصرة ام داعش ام جماعة الزنكي وغيرهم من المنظات الارهابية. نبشرهم ان سقط النظام سوف يغرق الشعب السوري بمزيد من الدماء وستتقاتل تلك العصابات الارهابية و (المعتدلة) فيما بينها لسنوات طويلة اخرى، سوف لا يكون هناك استقرار وأمن ونظام تعددي ديمقراطي في سوريا على يد هذه الشراذم.