22 نوفمبر، 2024 6:43 ص
Search
Close this search box.

العراق : 1 – استنزاف الدعم العالمي دون جدوى

العراق : 1 – استنزاف الدعم العالمي دون جدوى

تكشف الأمور اليك من مصادر خاصة وعامة، هناك من يبلغك، والأخرين، أنه لن يتمكن الاستثمار بأنواعه خارجيا ووطنيا من التواجد في العراق ..

يقول الله سبحانه تعالى: (( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))(الكهف:103-104)..

هناك تقارير تثبت ذلك مع عدم الجدوى باستقطاب الاستثمار لاستنزاف الأموال في المشاريع الوهمية أو عقود تبلغ أعلى من حقيقة المشروع بسبب الفساد والنسب والسرقات والحصص، وهذا ما يمكن تسميته بحاجة اقتصاد العراق للراحة السلبية لفترة زمنية لا تقل عن خمسة سنوات أو أكثر في حالة توفر حكومة مسؤولة بالفعل لنهضته وتنميته، بدون أي استثمار او أهتمام بالبنى التحتية لتقويض الهدر بالأموال، اعتمادا على تفعيل الداخل بالعقول العراقية والايدي العاملة في الوطن، ومن بعدها يدخل الاقتصاد العراقي مرحلة الإعداد والتأهيل، والتي تحتاج ليس اقل من خمسة عشر سنة، وهذا يعني أنه لن يستطيع المشاركة فعليا في الانشطة الأقتصادية العربية والعالمية الا بدعم منها. علما بسبب ذلك تقوضت فرص دخوله منظمة العشرين وغيرها من المؤسسات الداعمة للاستثمار والاقتصاد، والتي كان مرشحا لها بعد 2003 بحكم ثروته الهائلة واسقاط أكثر من 90% من ديونه بدعم دولي، بحيث بات أغنى بلد في الشرق الأوسط والمنطقة عموما، مع توفير دول مانحة مازالت قائمة من دول اقتصادية عالمية ودول عربية، دفعت وما زالت على استعداد أن تدفع لاقامة مشاريع مهمة بالعراق فضلا عن الدعم المادي للتسليح في مواجهة الارهاب دون ان يدفع العراق فلسا واحدا، يؤثر على اقتصاده وميزانيته السنوية …

في الوقت الذي تتمنى المنظمات الدولية وفي مقدمتها الامم المتحدة، ومنها الأقتصادية الشفاء العاجل للعراق، والعودة السريعة الى ساحة النهوض الاقتصادي والثقافي عالميا، فانها تصر على التواصل معه من أجل متابعته بالحالتين الفوضوية الاقتصادية من فساد وهدر اموال، وقد اعطته حلولا لذلك، والأمر بحاجة لأذن واعية، وايضا متابعة مؤشرات العلاج والنهوض، لما يمثله من قيمة اقتصادية وبشرية وفنية وعلمية وثقافية عالية، مع وضع القدرات الدولية بخدمته، وهذا بحاجة لضمائر مستيقظة.

قال النبي(ص): (أوحى الله إلى بعض أنبيائه قل للذين يتفقهون لغير الدين و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا لغير الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش و قلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل و أعمالهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزؤون لأتيحن لهم فتنة تذر الحكيم حيرانا.)(بحار الأنوار)

فالعراق في الاعتبارات الدولية يُعَد واحداً من البلدان المستقبلية كمثال للنهوض رغم ما يتعرض له من الداخل من فساد وهدر وقتل الفرص وسياسة متعمدة بنشر البطالة دون تنشيط القطاعين العام والخاص الا ما ندر، وخارجيا ما يتعرض له من تدخل في عمليته السياسية بشكل سلبي وعرقلة نموه الأقتصادي، ومواجهاته مع الارهاب بانواعه عسكريا وفكريا ..

مازلنا لم نخطو الخطوة الأولى بعد هذه السنوات، في وسط هذا الحضور الدولي والاهتمام العالمي بالعراق، وقوة ثرواته المتعددة المصدر، ليبقى العراق في درجاته التنموية الادنى من اي دولة فقيرة، في الوقت الذي هو في المراتب العليا من الاهتمام الدولي والثروات المهدورة.

يقولالأمام علي المرتضى (عليه السلام): (أبعد الناس من النجاح الكذوب ذو الوجه الوقاح)( عيون الحكم والمواعظ، الواسطي: 114).

حيث كان الطفل يلعب ويتسلّق على أغصان الشجرة المثمرة، ويأكل منها، ويستظل بظلالها عند التعب ليستريح يوميا. كبُر الطّفل وانشغل بالحياة عن الشجرة، ويوما عاد إليها حزينا، فطلبت منه الشجرة اللعب معها، فقال الولد: أنا لم أعد صغيراً وإني بحاجةٍ لبعض النقودِ كي أشتري بعض الحاجيّات، فقالت له: لا يوجد معي نقود، ولكن خُذ الثمر مني، لتبيعه وتسد حاجتك، فسعد الشاب وأخذ الثمار، ولكنه لم يعد، لتحزن الشجرة على فراقه. بعد أعوامٍ عاد، فسعدت الشجرة، وقالت له: تعال والعب معي، فقال لها: لقد أصبحت رجلاً، ولديّ أسرة مسؤول عنها، وأحتاج لبناء بيت. فقالت له: لا أملك بيتاً ولكن بإمكانك أن تأخذ من أغصاني كما تشاء لتبني بيتك..

ففرح الرجل، وأخذ الأغصان وغادر. مرّت السنوات والشجرة وحيدة حزينة على ذكريات ذلك الطفل والشاب والرجل، وفجأة جاءها، لتسعد به، وقالت له: العب معي، فقال: لقد كبرت كثيراً وأصبحت عجوزاً وأريد أن أرتاح وأعيش بهدوء، أريد أن أبحر بالبحار بعيدا، بعيداً… فقالت له الشجرة: خُذ من جذعي واصنع مركباً..

فتملكه السرور من وفاء الشجرة معه، وصنع المركب ورحل بالبحر عنها، ولم يعد لسنين طويلة. وبعد كل هذه السنين عاد الكهل للشجرة، وقد اعتادت بأن يطلب شيئاً، فسابقته بالقول: آسفة ولكني أصبحت كبيرة جداً ولا أملك شيئا لأمنحك إياه، فلا يوجد ثمر لتأكله أو لتبيعه… فقال لها: لا داعي فليس لدي الأسنان لأقضمهه. تابعت الشجرة حديثها فقالت له: لم يعد لديّ جذع حتّى تلعب وتتسلّق عليه… فقال: لا حاجة لي به فقد أصبحت كهلاً عجوزاً لا أستطيع القيام بذلك.. فحزنت الشجرة كثيراً، لأنّها لا تملك ما تعطيه فهي شبه ميتة. فرد عليها العجوز قائلاً: كل ما أحتاجه وأريده الآن هو أن استرخي من هذه السنين.. فقالت له الشجرة: ياليت كنت تلعب معي وتهتم بي لأبقى مثمرة مخضرة، بدل استنزافي، ولكن هذه جذوري وهي ما تبقى لدي يمكنك الجلوس لتسترخي بجانبي ..

وضع العراق هذا، في تناقض حاد مثير للتساؤل، لماذا؟ ومتى يعيد المسؤول عن العراق دون ان يحنث بقسمه، النتيجة لصالح الشعب والوطن وضميره؟ متى يتم الشعور بانه يستحق العراق المقدمة في كل أمر، والفرص متاحة للاهتمام العالمي به؟ ومتى يعزز القائمون عليه مكانته الفعلية في التنمية، وكل شيء مهيأ له من ايدي عاملة وثروات؟ الى متى يتواصل فقدان الفرص النهوض المتوالية، مع اقتراب دفن جيل جديد في النفق المظلم بعد ما دفنت أجيال قبله، دون أن يسعد بالوصول الى النور في نهاية النفق وهو يغازل أحلامه التي ستدفن معه.. ؟ ..

ربما لا يمكن أعطاء الشعب كل حقوقه لمرة واحدة، ولكن هناك مقدرة بأداء الأحترام لهذا الشعب، ان كان هناك شعور بالمسؤولية لدى القادة، عندها سيهدي الشعب السلام والنهضة لوطنه ولمن حوله ..

هذا عراق الذرى احمرت معالمه .. وجرح طعن بثان قام يتلصق

ويستفيض به الوجدان اشرعة .. بالكبرياء وفي جثمانه العبق

من قصيدة تحيا الشهادة – بهاء الدين الخاقاني/ 2016

أحدث المقالات