23 ديسمبر، 2024 12:12 م

العراق يواجه عاصفة اقتصادية شديدة الوطأة مع اشتداد الحرب ضد داعش و انخفاض اسعار النفط و تناقص الاحتياطي من النقد الاجنبي

العراق يواجه عاصفة اقتصادية شديدة الوطأة مع اشتداد الحرب ضد داعش و انخفاض اسعار النفط و تناقص الاحتياطي من النقد الاجنبي

بقلم اليس فوردهايم “ان بي آر دوت كوم”
فلنبدأ من الخط الامامي لأي اقتصاد مترنح، ذلك الخط المتمثل في محلات البقالة. ففي احد محلات بغداد حيث تصطف سلال التوابل والشاي، يحصي اسامة الحسني انواع البقوليات المملحة والمحمصة.

ويوجه الحسني كلامه للزبون “هل هذا كاف؟”.

لكن تلك الكمية وان لم تكن كبيرة جدا، الا ان الزبون قرر ان يأخذ اقل قليلا. وهنا، يتذمر البائع من هذا هو الوضع السائد الان. ويضيف الحسني قائلا انه كان يعمل لديه في السابق بحدود 13 عاملا في محله الكبير، الا ان العدد تقلص، اضطرارا، الى عاملين 2 وحسب. لقد تقلص زبائن الحسني وهو يشعر بالقلق جراء ذلك.

يقول علاء عزيز، وهو بروفسور جامعي، معلقا “لقد تقلص مرتبي بنسبة 10%”. كما ان مرتب زوجته، وهو مدرسة في احدى المدارس، تقلص هو الآخر. لذلك، يضطر الزوجان الى شد الحزام الان، وان لم يكن الموقف عنيفا بالنسبة لهما. لكن ذلك لا يعني نهاية المطاف، حيث ان كليهما يعتقد ان الامور آخذة بالتدهور، ولربما كان الزوجان محقين في ذلك.

من الواضح ان كل شيء يسير بالضد من الاقتصاد العراقي في الوقت الراهن. فها هي الحكومة العراقية تخوض حربا ضروسا مكلفة وباهظة الثمن ضد تنظيم داعش الارهابي في ضل انخفاض حاد وغير مسبوق في اسعار النفط في الاسواق العالمية, وذلك الى

جانب نزوح الملايين من المواطنين العراقيين وترنح تكاليف اعمار المدن التي دمرت جراء القتال ضد التنظيم المتطرف.

الاعتماد على النفط

يقول السيد مظهر محمد صالح، وهو واحد من كبار المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يقول ان العراق يعمل حاليا في ظروف معقدة وبالغة الصعوبة.

ويضيف صالح قائلا “كما تعلمون، فأن العراق يعاني سببين ضاغطين في الوقت الراهن، يتمثل اولهما في كلفة الحرب الهائلة من جهة، وثانيهما في موضوع سعر النفط من جهة اخرى، حيث ان العراق يعتمد كليا على عوائد بيع نفطه الخام كي يمول نفقاته”. اما صندوق النفط الدولي، فأنه يصف وضع العراق بعبارة “الصدمة المزدوجة”. عام 2014، فقد العراق الكثير من مناطقه واراضيه التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش الارهابي، الامر الذي اضطره الى انفاق الكثير على طريق الحرب بغية استرجاع ما ذهب فضلا عن الانفاق على الملايين ممن اضطروا الى النزوح وترك منازلهم شمال وغرب البلاد في الوقت ذاته نتيجة ظروف الحرب وسيطرة داعش هناك.

في الوقت ذاته، بدأت اسعار النفط الخام بالانخفاض في الاسواق العالمية، حيث يتراوح سعر برميل النفط الان بحدود الـ30 دولارا بعد ان كان معدل سعره بحدود الـ100 دولارا قبل ان تبدأ ازمة انهيار الاسعار صيف العام 2014.

بالدرجة الاساس، تدفع الحكومة العراقية كل مرتبات موظفيها المدنيين والعسكريين انطلاقا مما تتحصل عليه من مبيعات النفط الخام. وبغية المساعدة في تمويل الحرب، عرضت الولايات المتحدة تقديم قروض للعراق بغية تغطية نفقات معدات الدفاع، وان كان ذلك لا يغطي المرتبات للجنود او الملايين من يحصلون على مرتباتهم او اعاناتهم من خلال الحكومة العراقية. وفي الوقت الراهن، يتلقى بحدود 4.5 مليون موظف مرتباتهم من الحكومة العراقية الى جانب 3.7 مليون آخرين يحصلون على اعانات منها كذلك. كما ان الناس باتت تتوقع انحسارا في تمويل ودعم الخدمات والمنافع الاساسية مثل مفردات البطاقة التموينية والوقود الرخيص.

عين على الحكومة

يقول المستشار صالح ان الناس معتادون على الاعتماد على الحكومة.

ويضيف قائلا “ان العراق بلد نفطي، وهم يريدون ان تكون الحياة عبارة عن عطلة مستمرة دون ضرائب، مع غداء مجاني، وكل شيء مجاني، بما في ذلك كهرباء مجانية

كذلك”. ويضيف كذلك “ان هذه هي العقلية التقليدية لدى الشعب العراقي حتى هذه اللحظة. وصدقوني، فأن من الصعب جدا تغيير ذلك، الامر الذي يتطلب منا اعادة تثقيف الناس لتغيير مفاهيمهم من جديد”.

في هذ الاثناء، تعمل الحكومة على عملية غربلة معقدة لنفقاتها المتوسعة، لاسيما تلك التي تستنزف احتياطياتها من النقد الاجنبي، وان كانت مستمرة بدفع المرتبات لموظفيها الحكوميين. لكن بالمعدل الحالي، يبدو ان العراق يسير باتجاه نفاذ هذه الاحتياطيات بحلول العام القادم.

يقول الخبراء ان العراق بحاجة الى اصلاحات تتضمن اخراج العديد من الموظفين من قائمة المدفوعات الحكومية للرواتب كي يتم تحويلهم للقطاع الخاص عوضا عن ذلك. غير ان العراقيين لا ينظرون للموضوع على هذا النحو.

فضمن مظاهرة احتجاجية خرجت مؤخرا في بغداد، صدحت اصوات المحتجين ضد الفساد وسوء الادارة وهدر الماد العالم. لقد كان هؤلاء يقولون ان ازمة ومشاكل البلاد الاقتصادية ليست متأتية من انخفاض اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية وانما نتيجة لفساد النخبة السياسية التي تتصرف بمقدرات العراق بطريقة اللصوص والسراق وحسب.

كان كاظم فرج واحدا من المحتجين الذين حملوا اللافتات التي تنتقد اداء الحكومة و ضعف جهودها في مكافحة الفساد برغم تعهدات رئيس الوزراء بذلك. و عند سؤال فرج، وهو مدرس متقاعد، عما سيحصل اذا ما قطعت الحكومة المرتبات، كان جوابه ان الوضع سيكون حرجا جدا على البلاد بأسرها.

وختم فرج كلامه بالقول “اعتقد ان المظاهرات سوف تتواصل، وان الحكومة ستجد نفسها في زاوية ضيقة جدا”.