مع إعلان وزارتي الزراعة والموارد المائية عن أول خطة زراعية-2023- في تاريخ تعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية أكثر من اعتمادها على المياه السطحية بنسبة الثلثين تقريباً فهذا يتطلب التوقف عند عدة نقاط:
أولاً: هل وصلنا لمرحلة اليأس من التفاهم مع دول الجوار-خاصة تركيا- حول الحصص المائية؟ فهل وصلت الحكومة لطريق مسدود أم إن إكمال التفاهمات يحتاج لوقت أطول بحيث قامت الحكومة كإجراء احترازي باعتماد هذه الخطة؟ أم إن الحكومة تريد التقليل من الاعتماد على المياه السطحية حتى مع إكمال التفاهمات لمواجهة خطر الجفاف المتوقع؟
الأمور غير واضحة، خصوصاً وإن هنالك تحذيرات سابقة من مسؤولين من ضرورة عدم استنزاف ثروة المياه الجوفية وضرورة استخدامها بشكل علمي مدروس.
ثانياً: ما هي كمية المياه الجوفية في العراق وكم نسبة المتجدد منها؟
لا توجد أرقام رسمية دقيقة والدراسات متضاربة حول الأمر وهنالك خلط في التصريحات بين نسبة المياه الجوفية الكلية ونسبة المتجدد منها.
ولكن أغلب التصريحات والدراسات تشير إلى وجود خزين مياه جوفية كبير يبدو إنه هو الأكبر عربياً بأرقام تقترب من 35 مليار متر مكعب وهي تعادل تقريباً أكبر من كمية المياه في أكبر 8 دول عربية بالمياه الجوفية مجتمعة عدا المغرب التي لديها 29 مليار متر مكعب وتأتي ثانياً عربياً بعد العراق.
وبهذا يكون العراق صاحب رصيد كبير من المياه الجوفية تتوفر فيما يقرب من 60% من مساحته.
ثالثاً: هل ستكتفي الحكومة بتوجيه الأنظار للمياه الجوفية والحاجة لاستخدامها بديلاً عن المياه السطحية دون خطة في كيفية استهلاك تلك المياه بكميات مقبولة دون هدر أم لا؟
رابعاً: هل توجد لدى الحكومة خطة لترشيد استهلاك المياه بصورة عامة؟
خامساً: هل ستكتفي الحكومة بالعمل على مصادر المياه السطحية والجوفية فقط؟
ما ينبغي عمله من وجهة نظري في هذا الملف هو الآتي:
1- إجراء دراسات دقيقة لمعرفة كمية المياه الجوفية في العراق ومصادرها ونوعياتها والمشترك منها مع دول الجوار والقابل للتجدد منها من غيره.
2- الاستمرار بالضغط على دول الجوار خاصة تركيا لتأمين أكبر كمية ممكنة من المياه السطحية لنهري دجلة والفرات.
3- ترشيد استهلاك المياه في الزراعة باستخدام وسائل الري الحديثة التي تقلل كميات المياه المهدورة بشكل كبير، وكذلك ترشيد استهلاك المياه للاستخدامات المنزلية وغيرها.
4- التوقف عن استخدام المياه في حقن الآبار لأنها تستهلك كميات كبيرة ولأنه هذه الطريقة قد تسبب زلازل مستحثة ولأنه هناك طرق بديلة تقود لنتائج أفضل وليس فيها هدرُ للمياه.
5- استثمار موارد المياه الأخرى وأهمها:
أ- حصاد الأمطار: فرغم قلة الأمطار في العراق ولكن في السنة الأخيرة كانت كمية الأمطار لا بأس بها ولكن أغلبها ذهب دون استثمار فنعم الأمطار هي مورد أساسي لتغذية المياه الجوفية ولكن الكثير منها يذهب في السطح وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة لذا تحتاج الحكومة لخطط فعلية لتفعيل ملف حصاد الأمطار وإنشاء شبكات مياه الأمطار بالإضافة لشبكات الصرف الصحي لتجنب الفيضانات في فترات الأمطار الغزيرة وللاستفادة القصوى من الأمطار.
ب- تحلية المياه المالحة: وهو ملف مهم خصوصاً مع شحة المياه وارتفاع مستوى الملوحة في المياه السطحية والجوفية في المناطق الجنوبية بالذات فالحكومة تحتاج لمشاريع بهذا الاتجاه لا تستفيد من مياه البحر لتحليتها فقط بل مشاريع لتحلية المياه السطحية والجوفية الموجودة في الجنوب للاستفادة منها أكثر.
ج- تدوير مياه الصرف الصحي: وهذا الملف تقريباً مهمل كلياً فمع توجه الحكومة لإنشاء شبكات صرف صحي ولكن الأمر لازال في بدايته تماماً وعدم تدوير مياه الصرف الصحي لا يعني فقط ضياع كميات كبيرة من المياه المهدورة فقط بل يعني تلويث المياه السطحية والجوفية أيضاً.
د- زراعة المناطق الصحراوية بطرق حديثة تستهلك كميات مياه أقل كما في طريقة الشرنقة وغيرها ولصنع غطاء نباتي يقلل من ارتفاع درجات الحرارة ويقلل بالنتيجة من استهلاك وهدر كميات المياه الكبيرة الضائعة بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة في العراق.
هـ- تقليل هدر المياه من الخزانات المائية المكشوفة-البحيرات- عبر وسائل حديثة لأن الكثير من المياه تذهب نتيجة التبخر.
و- الإكثار من النباتات التي تستهلك كميات أقل من المياه في الزراعة والتشجير وغيرها.
ز- تحسين شبكات المياه للمنازل والأغراض الصناعية لأن فيها هدر كبير نتيجة ترهل الشبكات ومشاكلها بالإضافة إلى سوء الاستخدام من المواطنين.
ح- اعتماد نظام ترشيد استهلاك ذكي ومخطط له ومنظم في كافة المجالات سواء في الاستخدام الزراعي أو الصناعي أو المنزلي وتوفير أدوات ذلك كمنظومات الري الحديثة أو الأدوات المنزلية المرشدة للاستهلاك فضلاً عن التأكيد على ثقافة ترشيد الاستهلاك.
رشيد السراي