23 ديسمبر، 2024 6:08 ص

العراق يتحول إلى سوريا

العراق يتحول إلى سوريا

مايكل جانسن: ذا كلف توداي
 بعد إصدارها طلبا دراماتيكيا لتركيا من أجل سحب قواتها الجديدة ودباباتها وناقلات الجند المدرعة من شمال العراق، يبدو بغداد قد هدأت من روعها وهي مستعدة للتفاوض مع أنقرة حول وجودها العسكري على أراضي جارتها المتنازعة. ورغم ذلك، ما يزال العراق مصراً على الانسحاب “الفوري” للقوات التركية التي نشرت أخيراً وتعدها بغداد “غير شرعية” وانتهاك للسيادة العراقية وميثاق الأمم المتحدة. يقارن محللون الوضع في العراق مع ما هو عليه في سوريا حيث تشن أطراف خارجية حربا جوية ضد داعش من دون الحصول على إذن من الحكومة في دمشق.

وفي غياب التنسيق مع بغداد، نشرت تركيا فوجا قويا قوامه 400 مدعوما بالدبابات في الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي في العراق، وعززته بأكثر من 400 من الجنود ومجموعة أخرى من الدبابات إلى قوتها الموجودة في معسكر بعشيقة شمال مدينة الموصل التي استولى عليها داعش في حزيران من العام 2014 . ومن المفترض أن تدار منطقة بعشيقة من قبل بغداد وليس أربيل عاصمة الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي.

وعلى الرغم من ادعاء أنقرة ان المعسكر التركي هو قاعدة لتدريب القوات الكردية والعربية، وإنه ليس معسكرا مؤقتا ولكنه قاعدة عسكرية حقيقية، حيث تدعي أنقرة انها “دائمة” من دون الحصول على موافقة من بغداد. لقد استطاع الأتراك أن ينزلقوا تحت رادار الحكومة العراقية بسبب تواطؤ أنقرة مع الحكومة الإقليمية الكردية برئاسة مسعود بارزاني، الذي قام منذ فترة طويلة بتنمية علاقات مع تركيا للعمل بمثابة ثقل موازن لمنافس عشيرة البارزاني؛ معسكر طالباني المتحالف مع إيران. 

وبعد فشلها في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتنصيب نظام موالٍ للإخوان المسلمين الأتراك أو السلفيين في دمشق، حوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتباهه الى شمال العراق في محاولة منه لإقامة نفوذ لأنقرة على محافظة نينوى العراقية وعلى الموصل بالتحديد، حيث أن لدى تركيا مطامع في هذه المنطقة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وتخصيصها للعراق من قبل الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وبريطانيا وفرنسا. ولم يتخل أردوغان عن حلمه في أن يصبح  “سلطانا” في القرن 21 على الطراز العثماني يحكم الوطن التركي الحديث ويمارس سلطانه على المناطق المجاورة، وحتى البعيدة منه.

ويوفر معسكر بعشيقة الفرصة لتركيا لممارسة بعض السيطرة على الوضع في حال وحين ينجح الجيش العراقي والميليشيات الشيعية المرتبطة به في إخراج داعش من الموصل، كون تركيا لا تريد طوفانا من اللاجئين، مثل مقاتلي داعش، يتدفق عبر الحدود إلى أراضيها، وهي مصممة للعب دور في المعركة من أجل الموصل وهدفها في ذلك تأمين تنازلات سياسية- إقليمية مع بغداد الضعيفة والمنقسمة، وتفتقر القدرة، منذ الغزو والاحتلال الامريكي في العام 2003، على تأمين سلامة اراضي العراق.

كما أن أردوغان يستخدم تحالفه المريح مع بارزاني لمواجهة حزب العمال الكردستاني التركي الذي يخوض قتالا ضد أنقرة من أجل الحصول على الحكم الذاتي أو الاستقلال منذ أكثر من 30 عاما. وقد فرض الجناح العسكري لفرع حزب العمال الكردستاني السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السيطرة على قطاعات واسعة من الأراضي السورية على طول الحدود مع تركيا، وأعلنها “كردستان سوريا” المنطقة المحكومة ذاتياً في سوريا رغم جهود أنقرة لمنع حدوث ذلك، حيث أن آخر ما يرغب به أردوغان هو قيام كيان كردي شبه مستقل شمالي سوريا متحالف مع حزب العمال الكردستاني، لاسيما منذ أن قام بخرق وقف إطلاق النار وأوقف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني الصيف الماضي.

وقد افاد بارزاني من تحالفه هذا مع تركيا من خلال تأمين بعثات المساعدات والتدريب العسكري من جانب أنقرة وكذلك كسب رسوم مرور النفط من المنطقة الكردية وكركوك الذي يضخه ويصدره الكرد عن طريق خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي.

وقد خاطبت واشنطن الانتقادات حول الانتشار التركي إلا أنها قد تكون نجحت باقناع أنقرة بالامتناع عن ارسال 350 جنديا آخرين الى العراق والذي تم إيقافهم على الجانب التركي من الحدود إلى حين الاتفاق مع بغداد على النشر. وتعارض هذا الأمر حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي والميليشيات الشيعية المرتبطة بها الرافضة أيضا لتوسيع وجود عسكري قوي للولايات المتحدة في العراق قوامه 3500، يقال إنه “لغرض تدريب” الجيش العراقي الغارق في الفساد ويعاني من عدم الفعالية، وتوفير الخبرة في مجال عمليات القوات الخاصة.

لقد بدى العبادي، الشخصية البارزة في حزب الدعوة الشيعي الأصولي، كرئيس وزراء غير حازم يفتقد القدرة على فرض برنامجه الإصلاحي على السياسيين الفاسدين أو الرجوع إلى التيار السياسي السائد لدى المجتمع السني الذي يعاني من التهميش والنفور.

ويقول معلقون عراقيون إن العبادي أضاع فرصة التعامل بنجاح مع المهام بسبب المماطلة على الرغم من الدعم الكامل الذي كان لديه من قبل من آية الله علي السيستاني ذو النفوذ الكبير لدى الشيعة في البلاد والذين يمثلون الغالبية العظمى من العراقيين.

ونتيجة لذلك، كان العبادي غير قادر على الحفاظ على مصداقيته مع العراقيين الذين يطالبون بوضع حد للفساد أو لتأكيد سيطرة بغداد على المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية مثل نينوى وصلاح الدين، والأنبار، وكذلك كركوك التي يسيطر عليها الكرد والمناطق الملحقة بهم على طول الحدود بين العراق العربي والمنطقة الكردية.

لقد كان التقدم الذي أحرزته قوات الحكومة العراقية الأسبوع الماضي في جزء من مدينة الرمادي التي يسيطر عليها داعش بشكل جزئي، رغم ذلك، مكسبا كبيرا للعبادي الذي على الرغم من هذه المكسب، ما يزال غير حاسم جدا في الحكم وباق في منصبة بفعل القوى السياسية التي ترغب برئيس وزراء ضعيف، حيث إن لدى السياسيين العراقيين ما يكفي من رئيس وزراء قوي خلال عهد الثمان سنين لسلف العبادي، نوري المالكي الذي يتحمل جنبا إلى جنب مع واشنطن المفتقرة للفهم، المسؤولية إلى حد كبير عن الحالة الخطيرة الراهنة للأمور في البلاد. لقد فقدت بغداد السيطرة ليس فقط على غرب وشمال البلاد ولكن أيضا على المنطقة الكردية المزعومة “شبه مستقلة” التي لم تعد تعير الانتباه لمطالب الحكومة المركزية وتفعل كل ما يريد بارزاني. ومع الانتشار التركي، أصبح من الواضح أن العراق في طريقه إلى ان يكون مثل سوريا، المسرح حيث تتنافس فيه قوى خارجية من أجل بسط نفوذها على البلدات والمدن المدمرة وعلى مساحات من الصحراء تحتوي على احتياطيات من النفط والغاز.