(الحلقة الأولى) (تحديد المشكلة)
من البديهيات، أَنَّ الشعب العراقي مرّ بتجربة قاسية، في زمن النظام الصدّامي المقبور. هذه التجربة المريرة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن.
في هذه العقود المظلمة، فقَدَ فيها الشعب العراقي، خيرة كفاءآته العلمية و الفكرية و الثقافية. كما خسر الكثير من موارده الاقتصادية. و الأكثر من ذلك، فقد فقَدَ الشعب العراقي، شخصيات لو قُدّر لها البقاء الى الآن، لأصبحت رموز المرحلة الراهنة.
هذا الفراغ في ميدان العمل السياسي و الاجتماعي، جعل الرأي العام، يعيش حالة التناحر و التشرذم. كما أنَّ فقدان الرمز ذو القدرة ، على اتخاذ المواقف الوطنية المصيرية، جعل السياسيين يتخبطون في ادارة الدولة، و تسبّبوا في اضاعة الكثير من فرص التقدم و الازدهار على الشعب.
و أهمية وجود القائد الجماهيري في المجتمع، كونه الشخص الذي تتوفر فيه أكثر من غيره، الكثير من مؤهلات القيادة التي منها؛ الخبرة في ادارة الأزمات، و الفراسة، و الحدس و التوقع في تقدير المواقف الآنية و المستقبلية.
و فقدان القائد بالوقت الحاضر في العراق، جعل السياسيين يعيشون حالة الشلل و الفوضى، و عدم القدرة على تحقيق الأهداف المركزية أو المصيرية، التي تصبّ في
صالح الشعب. لهذه الأسباب، نلمس بوضوح تشرذم المواقف السياسية، و عدم الاجماع على رأي وطني واحد.
إزاء هذه الحالة البائسة، التي يعيشها الشعب العراقي، و ظهور الطبقة (السياسية)، الفاقدة لعناصر؛ الأمانة و الولاء و الوفاء للوطن و الشعب، تضاعفت على الشعب العراقي الازمات، و تكاثرت المعاناة.
لقد شهدت دول كثيرة في العالم، مراحل متأزمة من تاريخها، لكن وجود قيادات واعية لديها، كانت السبب المباشر لانقاذ تلك الشعوب، من اصعب الازمات التي مرّت بها. و للتذكير فان أَوربا مرَّت بظروف صعبة جداً، اثناء و بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية.
ففي روسيا استطاع (لينين 1870 – 1924)، الذي تبنى شعار (الأرض الخبز السلام)، تنظيم دور الحزب الشيوعي، ليقود روسيا و يحولها، من دولة زراعية الى دولة صناعية، و قوة عالمية ضاربة فيما بعد.
و (شارل ديغول 1890- 1970)، الذي مهَّدَ للشعب الفرنسي، مقاومة الاحتلال النازي لفرنسا. و بالنتيجة اسس لبناء جمهورية فرنسية، لها دور في التأثير بالسياسات الدولية.
و قائد ماليزيا (مهاتير محمد 1925- )، الذي عمل كرئيس وزراء متفانٍ، في اعوام حكوماته للفترة من 1981الى 2003، من اجل انقاذ بلدة من الفقر و التخلف. و كان من ثمار عمله، أَنّْ انخفضت نسبة السكان، الذين كانوا تحت خط الفقر، من 52% في عام 1970، الى 5% فقط في عام 2002.
و ارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولاراً، في عام 1970، الى 8862 دولاراً في عام 2002. كما استطاع أَنّْ يخفض نسبة البطالة إلى 3%.
و انجازات اولئك القادة، لم تكن في الخطابات الانشائية، و إنما كانت في المواقف و الخطط و البرامج، النابعة من ارادات واعية، و اصرار شديد على تصحيح الاوضاع الشاذة في بلدانهم، عن طريق تقديم الحلول الفاعلة، لمعالجة الازمات و القضاء عليها، بدلاً من الرقص على جراحات شعوبهم، كما يفعل ما يسمى عندنا، بالطبقة السياسية في العراق.
ان العراق بحاجة الى مبادرة عاجلة، من قيادات واعية، تدرك خطورة المرحلة التي يمر بها البلد، لتُنقذهُ من وضعه المتأزم. و أَمّا الخطابات الانشائية للبعض، فانها لا تقدم للشعب أَيّ حلّ. ما لم تُقرَن تلك الخطابات، بخطط و برامج عملية، تستوعب بعمق، ان العراق يعيش في ظل تمزق مجتمعي، و تخلف سياسي يرتع بالفساد.
اضافة الى صراع مصالح، عدة دول في العراق. حيث تسعى هذه الدول، لفرض وجودها في المنطقة، و العراق هو الدولة الأضعف، التي تعيش وسط هذا الصراع. فمن لا يعرف تفكيك الازمات، لا يستطيع الاهتداء الى حلّ لها أبداً.
و بما ان التجربة اثبتت، ان الشعب العراقي يفتقد لوجود قيادة سياسية ميدانية حكيمة، تُجمِع عليها كل اطياف الشعب العراقي. فلا مناص اذن، من دور مركزي مرحلي، تقوم به جهة موثوقة، لتتولى انقاذ الشعب العراقي من ورطته. و كذلك قيامها بوضع الشعب العراقي، على الطريق الصحيح، ليتولى مسؤولية الطبيعية في مسك زمام الأمور بنفسه.
و من وجهة نظري المتواضعة، اقترح ان تقوم مرجعية السيد السيستاني، بملء هذا الفراغ بشكل مؤقت، و وفق برنامج معدّ مسبقاً، و قابل للتطبيق عملياً، لتصحيح مسار الدولة العراقية، و اصلاح الخلل في جميع اركانها و مفاصلها.
فمرجعية السيد السيستاني كما اثبتتها الوقائع، انها جهة حريصة على مصالح الشعب العراقي، و انها تقف على مسافة واحدة من جميع اطياف، و مكونات الشعب العراقي.
في الحلقة الثانية ان شاء الله تعالى، سأضع المعالم العامة لهذا الطرح، و الله تعالى من وراء القصد.