في عام ٢٠١٤ ، كنت أعمل مع إحدى المنظمات المحلية، وحينها تلقت المنظمة دعوة من مكتب التنسيق المشتركOCHAالتابع للامم المتحدة،للقاء أحد خبراء الرعاية الصحية الأولية القادم من سويسرا لمتابعة وتحسين أداء المنظمات العاملة في مجال الرعاية الصحية الأولية ،ذكرنا له ضمن مجمل الحديث فخوريين، بأن منظمتنا صرفت مبلغ ٣٠٠ الف دولار أمريكي خلال ٦اشهر لإجراء عمليات ل٤٠ مريض في مدينة أربيل ، عندها صمت الخبير وبدأ يكتب على ورقة أمامه، وشاركنا ما كتبه على الورقة، وقال لنا إن المبلغ الذي صرفته منظمتكم على علاج ٤٠ مريض كان يمكن له أن يوظف لعلاج ٣٠٠ الف مريض لمدة ٦ أشهر ضمن برنامج الرعاية الصحية الأولية.معنى الكلام؛ الرعاية الصحية المسبقة البسيطة تجنبك التدخل الجراحي الذي قد ينجح أو يخفق في إنقاذ الأرواح .
ما يحدث حالياً في العراق يذكرني بما جرى لمنظمتنا السابقة الذكر،العراق للأسف أهمل خطواته وتدابيره التي بدأها قبل أشهر لمواجهة جائحة كورونا،أهملها تحت تأثيرالضغط الشعبي لفتح الحظروتغيير وزير الصحة وتجاهل المواطنين تنفيذ تحوطات وإجراءات التباعد الإجتماعي والنظافة والوقاية .
قصة الأهمال ليست بالجديدة على سلوكيات المؤسسات الحكومية العراقية ، فهي غالباً ما تخطط وتنفذ وتحقق الخطوة الأولى ، لكنها سرعان ما تتنازل عن إستمرارية تنفيذ البرامج والنشاطات الموضوعة في الجدول الزمني للمشروع ، وذلك لإسباب مختلفة .
اليوم نسمع أن وزارة الصحة تخفق في مواجهة الأزمة، وأن النظام الصحي في العراق ينهار تحت تأثير ضربات الفيروس المتواصلة ، وأن خلية الأزمة ستجد نفسها مضطرة للعودة الى إجراءات شهري اذار ونيسان التي تضمنت الحظر الشامل .
نعود إلى فكرة الرعاية المسبقة والمتواصلة التي تقلل الخسائروتجنبنا اللجوء إلى مقص الطبيب وغرفة العمليات . لنكتشف إن العراق أصبح غير قادر على تنفيذ الإجراءات والتحوطات التي تسبق حدوث الكارثة ، وهو اليوم يسير مضطراً إلى اتباع الحل الوحيد والأمثل أمامه وهو التطبيق القسري لحظر تجوال شامل وغلق الحدود ليعود إلى التقاط أنفاسه من جديد.
وأضيف للأسف إن العراق شعباً ومؤسسات غير قادر على تطبيق خطط متطورة طبقتها العديد من الدول ونجحت فيها , وتشمل مناعة القطيع المجتمعية herd community immunity , لانها ببساطة تحتاج الى معرفة وثقافة ووعي يفتقدها الكثير من مجتمعات وحكومات بلدان الشرق الأوسط .
إذاً على العراق والكثير من الدول المتشابهة في السلوك والثقافات والإمكانيات ، أن لا ينظروا إلى إجراءات العديد من الدول الأوربية التي باشرت بفتح إقتصادها ومدنها أمام الجميع ،وباشرت بتطبيق نوع معين من مناعة القطيع ، ويحاولوا تقليدها تقليداً أعمى .
للأسف العراق وغيره من دول المنطقة، اللذين لايمتلكون مقومات الدولة الناجحةأوالناشئة،ملزمون بتطبيق أقدم الإجراءات التي إتبعها الإنسان منذ القدم ،ألا وهو الحظر المنزلي والتباعد الإجتماعي،التيدأب الانسان القديم على إتباعها خلال فترات حدوث الأوبئة والكوارث ، وإن هذه الدول فقدت فرصة اللحاق بركب الدول المتقدمة في مجال مكافحة الأوبئة والأمراض .
EMAIL : [email protected]