لاخلاف على حقيقة انه بخروج العراق من احكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة يكون قد دخل مرحلة جديدة تختلف في الكثير من ابعادها وجوانبها عن المرحلة السابقة، التي امتدت منذ صيف عام 1990 حينما اجتاح نظام صدام دولة الكويت لتستمر مايقارب ربع قرن من الزمن.
وماتحقق لم يأت من فراغ، وفي ذات الوقت لايفترض ان يقتصر على مظاهر احتفالية –اعلامية وسياسية-بل ان اثار ونتائج مهمة لابد ان تترتب عليه، وهذا يعني ان مهمة الحكومة العراقية لم تنته بأصدار مجلس الامن الدولي قراره التأريخي حيال العراق، وانما هناك خطوات اخرى لابد من انجازها لتكتمل المهمة ويتبلور الانجاز بوضوح على ارض الواقع.
من الفصل السابع الى السادس!
بعد غزوه لدولة الكويت، اصدر مجلس الامن الدولي حزمة قرارات ضد العراق، عددها 73 قرارا، كلها صدرت في اطار الفصل السابع، ماعدا القرار 688 المتعلق بأنتهاكات حقوق الانسان، وهذا العدد الكبير من القرارات كبل العراق وجعله مسلوب السيادة والارادة في شتى الجوانب والمجالات، حيث ان الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية يشتمل على 13 مادة تبدأ من المادة 39 وتنتهي بالمادة 51. وتتيح هذه المواد لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب ابتداء استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته ضد الدول التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية وطرق المواصلات البحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية، بيد انه في حال رأى أن التدابير المشار اليها لا تفي بالغرض، فله أن يلجأ الى استخدام القوة المسلحة، والى فرض العقوبات الكفيلة بالحؤول دون تهديد الامن والسلم الدوليين.
اما الفصل السادس الذي يشتمل على ست مواد، من المادة 33 الى المادة 38 من ميثاق المنظمة الدولية، ملخصه هو استخدام وسائل التفاوض والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسويات القضائية لحل الخلافات النائشة بين الدول بصورة ثنائية، مع امكانية اللجوء إلى الجهات الدولية او أي من الوسائل السلمية التي يتم التوافق عليها بين طرفي –او اطراف-النزاع.
وارتباطا بذلك فأن مابقي من قضايا وملفات عالقة بين العراق والكويت، ومن بينها المتبقي من التعويضات، وترسيم الحدود، والمفقودين والممتلكات الكويتية المشروقة، سيصار الى بحثها ثنائيا بين الطرفين من دون اللجوء الى الامم المتحدة او مجلس الامن الدولي.
انجاز سياسي
ولعل البعد السياسي يبرز واضحا في خروج العراق من الفصل السابع، من خلال عدة مسائل من بينها:
-سياسة العراق الخارجية الناجحة في معالجة ملفات حقبة النظام السابق، بطريقة هادئة وحكيمة، وبأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وتطويق نقاط الخلاف والاختلاف الى اقصى قدر ممكن.
-استعادة العراق لسيادته الكاملة، مما يتيح له التحرك في الفضاءات الاقليمية والدولية بعيدا عن اية مؤثرات وضغوط خارجية.
-وجود اجماع وطني من مختلف القوى والمكونات على ضرورة واهمية الانتقال والتحول من مرحلة الخضوع والتبعية والارتهان للارادات الدولية، الى مرحلة الاستقلال واكتساب السيادة الحقيقية، وقد انعكس ذلك الاجماع الوطني في التفاعل الواسع والترحيب الكبير بقرار مجلس الامن الدولي الصادر في السابع والعشرين من شهر حزيران-يونيو الماضي، والاشادة بدور المفاوض العراقي في تحقيق هذا الانجاز.
انجاز اقتصادي
وبموازاة البعد السياسي، فأن هناك بعدا اقتصاديا لايقل اهمية عن الاول، انطوت عليه مغادرة العراق للفصل السابع.
والمعروف ان الفصل السابع القى بظلاله الثقيلة على طبيعة الحياة الاقتصادية والمعيشية والثقافية في العراق حتى بعد سقوط نظام صدام عام 2003، إذ بقي العراق، ومثلما يرى الدكتور جواد كاظم البكري “غير حر في التصرف بعائداته النفطية التي تشكل أكثر من 95% من مجمل انتاجه العام، امتدادا للقرارين الأمميين (986) لعام 1995 (النفط مقابل الغذاء)، وإنشاء صندوق الأمم المتحدة للتعويضات، والقرار (687)، لعام 1991، وهكذا، أتاحت هذه الالية للأمين العام للأمم المتحدة، حصرا، التصرف بموارد حساب النفط العراقي المصدر بموجب مذكرة النفط مقابل الغذاء، بعد استقطاع ما لا يقل عن 30% من قيمة كل برميل نفط عراقي مصدر، يستوفى تعويضاً عن حرب الكويت، وقد حدد مبلغ التعويضات بحوالي 53 مليار دولار، فضلا عن استقطاع 4% أخرى، لسد نفقات فرق التفتيش الدولية، التي كانت تبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، فاستمرت هذه الألية حتى بعد سقوط النظام، مع بعض التغييرات الطفيفة، إذ ان قرار مجلس الأمن رقم (1483) لعام 2003، الذي أُنشئ بموجبه صندوق تنمية العراق(DFI)، تحت رقابة الأمم المتحدة، انخفضت بموجبه نسب الاستقطاع إلى 5% من عائدات النفط، والمنتجات النفطية، والغاز المصدر من العراق، الذي تودع عوائده في هذا الصندوق، والاخير هو عبارة عن حساب مصرفي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بعد أن تم بموجبه تحويل بقايا مبالغ مذكرة التفاهم، وأية أرصدة عراقية مجمدة بموجب إجراءات الحصار وجرى تحريرها من المصارف الدولية”.
وخروج العراق من الفصل السابع، مثلما يرى خبراء اقتصاديون، سيتيح له التصرف بكامل امواله المودعة في صندوق تنمية العراق بموجب القرار الدولي (1483)، وبالتالي يستطيع استيراد وتصدير السلع والمواد المختلفة وممارسة النشاط التجاري من دون الاستعانة بوسيط دولي، وسيكون العراق ايضا محطة استثمارية كبيرة للشركات العالمية، كما ان النظام المصرفي سيشهد انتعاشا كبيرا ويقوم في فتح اعتمادات مستندية تساعد على الاستثمار وستنعكس على القطاع الخاص، فضلا عن الانظمام التكتلات الاقتصادية الدولية.
ويشدد الامين العام لمجلس الوزراء العراقي علي محسن العلاق على هذه المسألة بقوله “ان الخروج من الفصل السابع يتيح للعراق التخلص من ملاحقة الاموال العراقية، وتحصين ارصدة البلد الخارجية”.
هواجس ومخاوف
بيد ان هذا الانجاز المهم لايخلو من مخاوف وهواجس، قد يبدو البعض منها واقعيا ومبررا، جانب من تلك المخاوف والهواجس يرتبط بمدى مرونة الكويت في التعاطي مع الملفات التي بقيت عالقة، ومن المفترض حسمها مع العراق وفق الفصل السادس، وهناك من يذهب الى ان الكويت يمكن ان تلجأ الى اطراف خارجية، مثل الولايات المتحدة الاميركية لارغام العراق على تقديم اكبر من التنازلات اليها، لاسيما بخصوص ترسيم الحدود البرية والبحرية، ومعالجة قضية الحقول النفطية المشتركة.
والبعض الاخر من تلك المخاوف والهواجس يرتبط ببقاء الاموال العراقية المودعة في المصارف الاجنبية تحت الحماية الاميركية بطلب من الحكومة العراقية، الى ان تجد الاخيرة الية مناسبة للتعاطي مع عمليات قرصنة وابتزاز محتملة من قبل مؤسسات واشخاص سيدعون ان لهم ديونا على العراق ما يتطلب من البنك المركزي العراقي الاستعداد لمثل تلك الادعاءات، ناهيك عن انه من غير المناسب بعد استعادة السيادة الكاملة للعراق، الاستمرار في الاستعانة بواشنطن لحماية امواله.
وينبه عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين الدكتور عامر حسن فياض الى هذا الامر، اذ يقول “يؤشر البعض وجود اضرار ستترتب على العراق بالرغم من وجود الفوائد، منها غياب الغطاء الذي يحمي اموال العراق المتمثل بالولايات المتحدة الاميركية، ويبقى على العراق كدولة ان يوفر الحماية التي تقتضي جهدا قانونيا ودبلوماسيا ليكون بديلا عن الغطاء السابق ليتولى هو بنفسه حماية امواله بالطرق القانونية والشرعية”.
وهنا فأن استكمال تحقق الانجاز يقع-كما اشرنا انفا-على عاتق الحكومة العراقية، وخطوته الاولى تتمثل بالمحافظة على الاموال العراقية، وحمايتها وطنيا لاخارجيا، ومن ثم استثمار موارد البلاد لاحداث نهضة اقتصادية حقيقية، والاتجاه بدرجة اكبر لحسم واغلاق كل الملفات العالقة ليس مع الكويت فحسب، وانما مع الدول الاخرى، وخصوصا تلك التي تعرضت لعدوان نظام صدام في الماضي.
[email protected]