23 ديسمبر، 2024 5:54 ص

العراق ومصر.. الرأس والجسد

العراق ومصر.. الرأس والجسد

يشترك الشعبان العراقي والمصري، في مجالات تعاون كبيرة، في ظل علاقات تاريخية تربطهما، وفي العراق شوارع وأحياء بأسماء مصرية، وكذلك في القاهرة أيضاً، وتمتد العلاقة من أوائل القرن الماضي، عندما حصلا على الإستقلال، وكانا من المؤسسين لجامعة الدول العربية، في أربعينيات القرن الماضي، وعقدا العديد من الإتفاقيات الإقتصادية أنذاك، منها السوق العربية المشتركة والإتفاقيات العسكرية كإتفاقية الدفاع العربي المشترك ومشروع الوحدة الثلاثية، ولكن العلاقة بين البلدين أعمق من هذا التاريخ.

تتنافس حضارتان في عمق التاريخ، حضارة وادي الرافدين في سومر وبابل والوركاء والنمرود، والحضارة الفرعونية، ومروراُ بالتاريخ، وهناك تشابه وتقارب في مواضع عديدة.

في زيارتي الأخيرة للقاهرة، لفت نظري حديث المصريين كثيراً عن حضارتهم، بإعتبارها واحدة من الحضارات التي تقدمت في وقتها على كثير من الحضارات، ولكنني عندما شاهدت صناعة الورق من البردي، أستوقفني مشهد طلاب الجامعة يتحدثون في المتحف المصري القديم عن صناعة الورق من البردي، وشاهدت ذلك في القرية الفرعونية، تذكرت وجود البردي في أهوار العراق، وربما كان الورق يصنع أيضاً من البردي في الحضارة السومرية، وقلت لهم مثلما هنا في مصر يكون البناء بشكل أهرامات مصر، فهناك كان السومريون في الأهوار يبنون بيوتهم بشكل مقوس من القصب والبردي، وسفنهم بشكل بيت مقلوب.

لا تتوقف ملامح التشابه على أنهما يسيران بخطين متوازين، بل يتسابقان ويلتقيان، فشكل الهرم كما هي الزقورة وبابل والوركاء والملوية والحدباء، وهنا في العراق قصب وبردي وكمائن يعملها السومريون تسمى” إيشان”، كربوة عالية وسط المياه لحماية المماليك، وهناك أبو الهول، وفي العراق جسد الإمام الحسين عليه السلام، وفي مصر رأسه كما يقول المصريون، هنا مزار يجمع الملايين سنوياً، وهناك أيضاً مزار، ويمكن للمزارين أن يكونا، مرتكز تعايش وتقارب، فهنا قرب النجف وهناك قرب الأزهر، وكلا الموقعين محل الإعتدال، بين مرجعية النجف الأشرف ومرجعية الأزهر الشريف.

يُقال أن مصر تكتب وبغداد تقرأ، والكتابة من الرأس، والقراءة تنفع الجسد، وبواقع مصر وأهميتها للعالم العربي والإسلامي، فأن العراق يمثل جسد هذه الأمة، ومتى ما تمزق تمزقت الأمة، وإذا إستقر، سيعود بالخير على العراق ومصر والدول المجاورة.

يتفق العراق ومصر هذه الأيام، وبعد زيارة رئيس الوزراء العراقي، في قمة ثلاثية جمعت العراق ومصر والأردن، وهذا التقارب والتحالف يمثل محور الإعتدال البعيد عن محاور الصراعات، وثلاثة دول تملك علاقات متوازنة مع معظم المنظومة الدولية دون تقاطع، ويتفقا على حاجة شعوبهم لمعالجة الفقر والبطالة ومحاربة الإرهاب، وهذه الملفات تنعكس بشكل مباشر على العالم، وهذه الزيارة تزامناً مع مؤتمر يقام في العراق بمسمى عالم بلا إرهاب، مؤتمر عربي أفريقي في العاصمة بغداد، ولكن تعاون العراق مع مصر، سوف يعيد الرأس الى الجسد، كي يفكر الرأس حتى لا يمرض الجسد، وكذلك الجسد مع قول الرأس، ويتكامل فعل الرأس مع الجسد.

العراق لديه قاعدة معلومات كاملة عن تحرك الإرهاب، ومصر لديها صناعة محلية وأيادٍ عاملة، وسوق العراق يحتاج مصر ومصر تحتاج سوق العراق، وبحاجة المعلومات الإستخبارية عن تحرك المجاميع الإرهابية، التي إنتقلت من العراق الى مصر وبالعكس.

واثق الجابري