هناك من يقول إن العراق يخرج في كل مرة من نفق ليجد أمامه آلاف الانفاق التي يتعذر عليه عبورها، ما يعني أننا سنبقى في الدائرة المغلقة، في أسلوب يشبه السؤال الفلسفي : البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة.. والى أن نجيب على السؤال ربما نحتاج الى قرن من الزمان، لتكون لدينا بداية إجابة قد تكون صحيحة أو مشوشة ، لكي يقال إننا قد خرجنا من الأفخاخ التي وضعتها لنا الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي واسرائيل وإيران ودول إقليمية أخرى ، إذ ان هذه الدول والكيانات مجتمعة هي التي تحكمت بمقدراتنا لعقد أو أكثر من الزمان بعد سقوط بغداد عام 2003، وما زالت تدير المسرح السياسي في العراق بتوافق غريب عجيب، حتى وان ظهر بعض التعارض هنا أو هناك، الا انه لايفسد في الود قضية بين كل هذه الدول الطامعة في خيرات العراق.
ولا يدري الكثير من العراقيين ، ماذا سيترتب على خروج العراق من البند السابع او الفصل السابع، لافرق ، للانتقال الى الفصل السادس، ويبدو اننا أمام إمتحان ( بكالوريا ) من نوع جديد ، إذ يتوجب علينا معرفة أين ستذهب أموال العراق وهي بالمليارات، ومن سيتكفل بحمايتها، رغم ان الولايات المتحدة الدولة التي احتلت العراق وأقامت فيه نظامها السياسي ، هي الان مسؤولة عن مصيرنا ، وهي التي يتوجب عليها حماية أموالنا من النهب والسطو والتحويل المتعدد الاوجه والاشكال، لفترة ستة أشهر ، كوننا مازلنا في نظرها ( قاصرين ) ناهيك عن مطالبات لدول ما زالت تدعي انها بعد قرون، تبقى تطالب العراق بتعويضات سابقة ، فلأي مواطن من بلدان العالم له الحق ان يقدم شكواه، ويأخذ حقه، بمجرد ان يقدم دلائل على ان العراق مدين له بكذا مليار أو مليون دولار، ويجلب ( مستندات ) ،ويقدمها الى الادارة الاميركية وبأمكانها ان تتقاسم معه ( اللقمة ) وتحصل له على بعض مطالبه، او تحرض هي أصحاب شركات ومقاولين أو من رجال الاعمال ، أو دول ، لكي تقدم عطاءات تكاليف اموالها التي فقدتها في العراق، لتجد مبتغاها على ان تحصل هي ما تريد مقابل تحقيق مبالغ خيالية من صاف المال لأصحاب الشكاوى، وواشنطن تجيد فن المراوغة بعد ان يخدمها أرباب السوابق ممن لديهم الخبرة في السطو والاحتيال من عصابات المال العالمية ، لتجد فيهم مبتغاها لهذا الغرض، وبالتالي تضيع اموال العراق بين القبائلّ.
ويشير محللون لديهم المام بطبيعة مترتبات هذا الانتقال من الفصل السابع الى الفصل السادس الى ان العراق مقبل على مرحلة أكثر غموضا بشأن مستقبل امواله، فالبلد على هذه الحالة من الفوضى والاقتتال الداخلي وتردي وضعه الامني والتمزق الطائفي والمذهبي ، يجعل البلد ضعيف القوى خائرا ليس بمقدوره مناطحة كبريات الدول الطامعة في مقدرات العراق، وهو ليس بمقدوره ان يسيطر على عشرات المليارات من أمواله في بنوك الغرب، او تلك التي تضع بين تحت يد الاشراف الاميركي، ما يعني فعلا ان العراق يخرج من نفق ليجد نفسه يدخل انفاقا اخرى، والطريق يبدو أمامه اكثر سوداوية وتشاؤما من قبل، حتى ان فرحة العراقيين بإحتفال خروجهم من الفصل السابع تكدرها متعلقات الفصل السادس الذي ما زالت اليابان والمانيا بعد عشرات السنين تعاني من آثار وتبعات الحرب العالمية الثانية، وهي حتى هذه اللحظة تدفع ضريبة وقوعها تحت طائلة الفصل السادس الذي هو أقل تأثيرا من الفصل السابع، لكنه لن يكون بمقدور العراق ان يخرج من شرنقة العقوبات الدولية المفروضة عليه، فالحصارات المتخلفة تبقى واسلحته وصناعاته تبقى تحت المراقبة الدولية ، وحتى امواله، فكيف سيكون للعراق سيادة اذن، بمعنى ان سيادة العراق تبقى منقوصة لامد غير قصير من الزمان، ويبقى العراقيون يكتوون بنيران الازمات والافلاس المالي مادامت اموالهم تنهب على مرأى ومسمع العالم ، والاتعس من ذلك ان ابناء البلد من المسؤولين رفيعي المستوى هم الكارتل الاكبر الذي يشترك في عمليات فساد مالي واداري كبير وضخمة ليس بمقدور الدولة السيطرة عليها كون عصابات المال والفساد مترابطة ومتشعبة ولديها امتدادات اقليمية، ودولية ، لايعلم كنهها الا الراسخون في عمليات النهب والفساد الكبرى ، والذين اصبحوا اخطبوبا يصعب السيطرة عليه لسنوات مقبلة.
وبعد تسعين عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية ما زالت اليابان والمانيا تعانيان من مترتبات وضعها انذاك تحت الفصل السادس الذي هو أخف من الفصل السابع .. والسؤال هنا لماذا وضع العراق تحت الفصل السابع في سابقة تحدث لأول مرة ، إذ لن توضع دولة تحت نظام عقوبات تحت طائلة البند السابع غير العراق ، فهو البلد الوحيد ربما الذي وضعته الاقدار اللعينة تحت طائلة عقوبات هذا البند المشددة الى الحد الذي لم تبق لهذا البلد أية سيادة أو معنى لدولة ، بل ان الدولة العراقية السابقة تم تفكيكها نهائيا وبناء نموذج تجربة سياسية جديدة بكل ما تحمله من معان، دولة ضعيفة منخورة من الداخل ومتآكلة ومتهالكة ، ومن يحكمها لابد وان يحسب حساب الولايات المتحدة التي وضعته تحت مقدراتها يحكم بأسمها أو تحت ارادتها ، هي التي تمنحه بعض معالم القوة امام عقبات تواجهه او معارضة محتملة وتقدم له الخبرة والمشورة والاسناد، وهو بين خيارين كلاهما مر : أما ان يسلم مقدرات بلده بكاملها الى الامريكان او يكون بمقدوره ان يظهر المعارضة لبعض توجهاتهم وهنا يكون مصيره الزوال أو ان اميركا قد ناله منها غضبها وغطرستها التي تريد فرض املاءتها على من يحكم العراق وفقا لمشيئتها وان يسلم مقدرات بلده، وتعطيه بعض معالم الحكم وهي تدري انه الحاكم بإسمها وتحت لوائها وهو أي الحاكم مسير لامخير ، لكنها تلمع نظام حكمه باساليب الديمقراطية ، وتحت واجهاتها في انتخابات صورية أقرب الى الديمقراطية لكي تكون قد غادرت مرحلة الدكتاتورية.
وهكذا يتبين لنا مدى التحكم والمصير الغامض الذي ينتظره العراق بعد خروجه من الفصل السابع وانتقاله الى الفصل السادس، فما بين الانتقالين عقود من المرارة والألم يعتصر في قلوب العراقيين ويحطم آمال أجيالهم بأن يكون هناك ضوء في نهاية النفق، والى ان يحصل العراق على السيادة الفعلية ربما نحتاج الى قرن، من الزمان لكي يكون بمقدورنا تحقيق هذا الحلم.