لا زال التخبط الاقتصادي للحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 السمة البارزة , وذلك من خلال الاعتماد على الايرادات النفطية كمصدر رئيسي لميزانية الدولة, وعجزها في خلق مصادر مالية جديدة ترفد الميزانية وتدعم الاقتصاد العراقي, مما اوقعها في ورطة عدم قدرة الحكومة على تسديد رواتب ونفقات الدولة المالية, مما دفعها الى اللجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على القروض, الذي يراه خبراء الاقتصاد بأنه إجراء غير عملي لكونه يجعل البلد مكبلا بالديون الخارجية لسنوات عديدة ويصبح العراق رهينة لشروط صندوق النقد الدولي.
الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها العراق سببها الفساد, فالحكومات العراقية الضعيفة والمتواطئة سمحت لكل حزب سياسي بادارة وزارة أو أكثر , مما ادى الى ظهور شبكات من المحسوبية والفساد تمتص عائدات النفط العراقي المورد الوحيد للبلد, وتمررها الى اتباعها في شكل وظائف وامتيازات اضافة الى انتشار الكسب غير المشروع عبر المكاتب الاقتصادية في العقود والاستثمارات, حتى ارهقت الدولة بالديون لازال العراق يدفع فواتيرها.
لهذا عد خبراء مختصين بالشأن الاقتصادي العراقي شروط صندوق النقد الدولي ب( المجحفة) لكونها تستهدف الموظفين والمتقاعدين والخريجين بالاضافة الى التدخل بقرارات الحكومة العراقية, شروط صندوق النقد تعتبر تدخلا في الشأن العراقي وهذا تتحمله الحكومة لعدم وضعها الخطط الاقتصادية الكفيلة بتنويع الإيرادات المالية وعدم الاعتماد على النفط فقط,وذلك من خلال السيطرة على المنافذ الحدودية ومنع الاستثناءات الضريبية للواردات وتشجيع الاستثمار في جميع القطاعات والسيطرة على ملف الفضائيين وإنهاء ازدواج الرواتب ووقف نزيف العملة الصعبة( مزاد العملة) التي تذهب الى الخارج باسم التجارة واستيراد المواد الاستهلاكية, اضافة الى تشجيع الصناعة المتوقفة سواء في القطاع العام والخاص وتشجيع الإنتاج الزراعي ومعالجة مشاكله ووضع حد لاستيراد سلة غذاء العراقيين.
الواقع ان المؤسسات المالية الدولية عند إقراضها اموالا للدول تفرض شروطا عليها, حتى تصبح القروض بمثابة طعم كي تقع الدول تحت تأثير نفوذ سياسة الصندوق, كما ان الصندوق ليس مؤسسة مستقلة, بل ان الولايات المتحدة تنظر إلى جميع المؤسسات المالية المتعددة الجنسية ومنها صندوق النقد والبنك الدولي بأنها أدوات للسياسة الخارجية تحركها واشنطن لخدمة مصالحها وأهدافها السياسية, فالصندوق يفرض شروطه من خلال التدخل في تفاصيل السياسة المالية للعراق خاصة تحديد سعر صرف العملة الاجنبية وكذلك إلغاء دعم المحروقات وإلغاء البطاقة التموينية وتحرير بعض القطاعات الاقتصادية للدولة.
شروط صندوق النقد الدولي والازمة الاقتصادية قد يتجه العراق الى الانهيار المالي, فالعراق اليوم يسير وفق نفس الأخطاء التي مرت بها التجربة اليوغسلافية, حيث تم ربط جميع رواتب الدولة بقانون الاقتراض للبنك الدولي,حتى وصلت البلد الى الحد الذي لم تستطع فيه يوغسلافيا السابقة من سداد الديون والقروض, ثم جاء البنك الدولي يفرض شروطه فقام بتسريح أكثر من 700 ألف عامل وموظف وأقر بتعطيل معظم الشركات الحكومية, ثم تدخل بهيكلية البنك الوطني اليوغسلافي ووضع يده على جميع المصانع والمعامل, لتعلن البلاد حينها بانهيار كامل العملة الوطنية, وتبدأ الفوضى وعدم سيطرة الحكومة اليوغسلافية على الوضع في البلد, مما ادى إلى تفتيت البلد وتقسيمه وفق سياسة ومشروع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وهنا تكمن المشكلة في العراق , مسار السياسة التي تنتهجها حكومة الكاظمي هو مسار يسير بالعراق الى نفس السيناريو اليوغسلافي,فالحكومة الحالية تعمد الى اهدار المال العام مع اغراق البلد بديون خارجية وربط رواتب الموظفين بقانون الاقتراض مع البنوك الدولية من أجل تغطية خروقات الصرف في ميزانية 2020, كما ان هذا الاقتراض سيكلف العراق على دفع أكثر من ثلاثة ملايين دولار كفوائد شهرية.