18 ديسمبر، 2024 8:53 م

العراق… وماذا بعد المظاهرات والاعتصامات!

العراق… وماذا بعد المظاهرات والاعتصامات!

تتنوع أشكال المناحرات والمناكفات السياسية والقانونية، العامة والخاصة، بين السياسيين العراقيين من حيث الأسلوب والمضمون والأهداف، وربما أبرز تلك الأدوات في المرحلة الأخيرة أسلوب المظاهرات الجماهيرية على اعتبار أنها تتفق مع (النظام الديمقراطي) القائم في العراق بعد العام 2003، كما يزعمون!
وقد أستخدم هذا الأسلوب الجماهيري بشكل واضح من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقد أخرج عشرات المظاهرات خلال السنوات الأخيرة.
وفي الثلاثين من تموز/ يوليو 2016 اقتحم المئات من أنصار الصدر المنطقة الخضراء شديدة التحصين ودخلوا مبنى مجلس النواب بعد فشل البرلمان في التصويت على الحكومة لعدم اكتمال النصاب!
وتمّ هذا الاقتحام بعد اعتصام الصدر شخصيا بخيمة داخل الخضراء في نهاية آذار/ مارس 2016 وأعلن مواصلة الضغط على الحكومة لتنفيذ الإصلاحات!
وقبل اقتحام الخضراء في العام 2016 بعشرة أيام وجه الصدر بـ”تجميد” كتلة الأحرار التابعة له لحين انعقاد جلسة التصويت على الكابينة الوزارية الموسومة بـ”التكنوقراط المستقل”.
وبعد أربعة أيام أنهى الصدر اعتصامه ووجه أتباعه لإنهاء الاعتصام أمام الخضراء والاستمرار بمظاهراتهم السلمية، بعد تقديم رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي تشكيلته الوزارية الجديدة لمجلس النواب حينها!
ومن يومها صارت ورقة الاعتصامات والمظاهرات من أقوى الأوراق التي يستخدمها التيار الصدري لتحقيق أهداف تياره السياسية.
وتعاني العملية السياسية التي يعتبر الصدر من أكبر أركانها من خمول وضمور وترهل وعجز عن التوافق على رئيس للوزراء والذي يعتبر من حصة (المكون الشيعي) وفقا للتقسيم المذهبي والقومي في العراق بعد العام 2003.
ومع حالة الانسداد السياسي، وفوز الصدر بالمركز الأول في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وحصوله على 73 مقعدا، واستمرار الفشل في التوافق على شخصية شيعية لقيادة المرحلة القادمة وجدنا أن الصدر بدأ يقدم العديد من المبادرات للخروج من المأزق، والتي بمجملها تهدف لرمي الكرة في ملعب الآخرين بعد أن فشلوا جميعا في التوافق على شخصية شيعية لقيادة الحكومة المقبلة!
وبعد شدّ ومدّ وعجز واضح في حصول توافق برلماني على رئيس الجمهورية، وهي المرحلة السابقة لاختيار رئيس الحكومة، قرر الصدر اعتزال العمل السياسي، ودعا نوابه ثانية للانسحاب من البرلمان منتصف حزيران/ يونيو 2022!
وبعد أن وصلت العلاقة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى مرحلة كسر العظم وجدنا أن الصدر عاد مجددا ليهدد الجميع بورقة المظاهرات والاعتصامات المفتوحة في الشارع الشيعي المضمون له في الغالب بسبب مكانة والده الدينية لدى الكثير من شيعة العراق.
وقد كانت البداية يوم 29 تموز/ يوليو 2022 عندما اقتحم الآلاف من أتباع الصدر الخضراء دون أي تدخل لقوات الأمن للمنطقة الأشد تحصينا ببغداد، والتي تضم أهم مؤسسات الدولة وسفارات العديد من دول العالم ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن الصدريين انسحبوا من الخضراء بعد ساعات معدودة إلا أنهم عادوا ثانية بعد أقل من 48 ساعة لاقتحام الخضراء والبرلمان، وهم حتى الساعة يعتصمون داخل الخضراء، وبحسب خطبة الجمعة الأخيرة بساحة الاحتفالات الكبرى في الخضراء فهم لن ينسحبوا إلا بعد تحقيق المطالب التي حددها الصدر، قبل أيام، وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية المبكرة ومحاسبة الفاسدين وغير ذلك!
وهذه الفعاليات الشعبية الصدرية قوبلت بفعاليات شعبية مقابلة للمئات من أنصار الإطار التنسيقي، وكادت تلك المواجهات الجماهيرية، في الأول من آب/ أغسطس الحالي، أن تذهب بالبلاد نحو الحرب المليشياوية – المليشياوية لكن يبدو أن فتيل الأزمة قد سُحِب في اللحظات الأخيرة وبدأنا نسمع بخطابات وبيانات تؤيد دعوة الصدر الهادفة لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة!
وهذه الردود السياسية ربما أنعشت الصدر وجعلته يبتهج وبأنه ما يزال فاعلا في المشهد السياسي على الرغم من انسحاب نوابه من مجلس النواب.
وفي خضم هذه الحرب الشعبية الجماهيرية بين التيار والإطار ربما تبرز إشكالية كبيرة وتتمثل بقضية إمكانية انتهاء الحالة المتشنجة القائمة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وعودة نواب التيار الصدري للبرلمان؟
بداية علمتنا التجارب أن التيار الصدري لم يثبت على موقف من مواقفه السياسية الحماسية ولا مرّة واحدة، وهذا يؤكد احتمالية أن يتراجع الصدر عن موقفه الحالي بلحظة واحدة، وعبر تغريدة صغيرة يشكر فيها أنصاره ويدعوهم للانسحاب من الخضراء، كما حصل نهاية تموز/ يوليو الماضي، ولكن ومع هذه الحقيقة التي لا يمكن للصدريين نكرانها نجد أن الصدر حتى الساعة لم يتراجع عن مطالبه وموقفه!
ولا ندري هل موقفه يختلف هذه المرّة أم أن الأيام تحمل في طياتها مفاجئات قاتلة للصدريين وغيرهم؟
وبالنسبة لقضية عودة النواب الصدرين فأعتقد أننا أما إشكالية قانونية كون النواب البدلاء قد أدوا اليمين الدستوري في المجلس، ما جعل تحالف “الإطار التنسيقي” الأكبر عددا في البرلمان؛ وبالتالي لا يوجد مخرج قانوني يمكن أن يَحسم القضية إلا حلّ المجلس والذهاب لانتخابات مبكرة.
وقد طالب النائب برهان المعموري يوم السبت، 6 آب/ أغسطس 2022، بكتاب موجه لرئيس البرلمان بحلّ البرلمان، وأكد ضمان تواقيع ثلث أعضاء المجلس بالدعوة لحلّه، وفقا للمادة (64) من الدستور العراقي التي تنص على:
أولا: يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، بناءً على طلب من ثلث الأعضاء!
وفي حال موافقة رئاسة المجلس على تحديد جلسة استثنائية وموافقة ثلثي النواب أعتقد أن حلّ البرلمان سيكون بداية الحلّ!
وهذا المطلب (حلّ البرلمان) أكده الصدر ثانية في ذات اليوم، الأربعاء، 6/7/2022، عبر تغريدة له بيّن فيها أن حلّ البرلمان بات مطلبا شعبيا وسياسيا ونخبويا لا بديل عنه، وأن المظاهرات والاعتصامات ستستمر حتى تحقيق مطالب التيار الصدري!
وحتى لو فرضنا حصول التوافق السياسي على حلّ البرلمان، فهل سيبقى الكاظمي رئيسا للحكومة مع معارضة الإطار التنسيقي لبقائه؟
أعتقد جازما أن الإطار سيحاول فرض مرشحهم محمد شياع السوداني، المرفوض من الصدر، وبعد ذلك يدّعي الإطار العمل لتنفيذ مطالب الصدر، ولكن أتصور أنه، ومنذ اللحظة الأولى لتسنم السوداني لمهامه، ستنقلب الأمور على التيار ويحاول لجمهم بالسبل العسكرية والقانونية، وقد لا يُنفذ أي مطلب من مطالبهم بما فيها حلّ البرلمان، ولكن لا أعتقد أن هذه الخطوة ستجد من يؤيدها من السياسيين الكرد والسنة لأنهم يعلمون جيدا أن الطرف الآخر، الصدر، ليس ضعيفا!
وفي حال انقلب فريق الإطار على الصدر فأعتقد أن العراق حينها سيكون أمام مرحلة المواجهة الدموية العسكرية المليشياوية!
لقد أكدت المرحلة الماضية أن غالبية الكتل السياسية بشخوصها وأحزابها وكياناتها فشلت في بناء الدولة العراقية ولهذا نجدهم يفتعلون هذه الإشكاليات لإلهاء الجماهير، والبقاء في ذات الدوامة بعد كل مرحلة انتخابية!
إن بناء الدولة لا يكون بالمظاهرات والمظاهرات المضادة وإنما بتطبيق القانون على الجميع دون أن يكون هنالك أي شخص فوق القانون، وأن يُحصر السلاح بيد الدولة، وأن تكون هنالك حكومة وطنية قادرة على تطبيق القانون، وبعدها يمكن الذهاب لانتخابات مبكرة خالية من القتلة والمجرمين، أما الذهاب للانتخابات المبكرة بهذا المركب المليء بالمتهمين وغير الأنقياء فهذا خداع للنفس وللجماهير وللمجتمع الدولي!
ولا ندري من أين نأتي بسياسيين يكون العراق همهم الأكبر، ويقدمون مصالحه على المصالح الشخصية والحزبية والولائية، الداخلية والخارجية؟