تتبادر للذهن اسئلة عن اسباب الموت الذي يجتاح العراق منذ عشر سنوات وأكثر ..؟ وهذا السيلان الأخلاقي الذي أباح كل شيء، ووضعنا في مقدمة فساد الدول والمجتمعات وتفسخها وتحللها ..؟
هل حقا ً نحن أمة وشعب يجمعنا وطن أسمه العراق…؟ أم سكان أقتضت ضرورات التاريخ والجغرافيا ان نتواجد في وادي الرافدين ، وبدوافع التصالح والخضوع المعيشي ان نحمل صفة مستوطنين ..؟
هذه الأسئلة التي تبحث في الوجود العراقي، تحاول أن تلتقط إجابة تنسجم مع مبررات الخراب الحاصل في هذا البلد الذي جاء بغرائبية سلوكية ، لم يحفل بها كل تاريخ الأمم والمجتمعات ، كلها بلا إستثناء ..!
مجتمع ينتج مخالفات إستراتيجية ضد وجوده وتقدمه، يسقط حضارته بمحظ إرادته ويتجه بطواعية مثالية نحو البربرية المطلقة ، يتقاتل عشر سنوات واكثر لأسباب طائفية وأخرى إحترازية وقائية ، وثالثة للحصول على النفوذ والسلطة والإستعلاء ، بينما هو مصاب بأخطر داء يصيب الدول والشعوب ،واقصد به ” الإحتلال ” ..!؟
قبل مائة عام ، وبعد استكمال دورة الأمية والجهل ، شهدت البلاد إحتلالا ً “بريطانيا ً” مماثلا ً من ناحية الوظيفة وقوانين الهيمنة ، فتماسك الشعب بأغلبيتة وأعطى مؤشرات نشوء أمة عراقية، تتحد وتتنافذ في أدوار وجودها ومصالحها ونظرتها للمستقبل ، وتبتعد عن إرتكاب المعاصي والخيانات لمبادئ الوجود الطبيعي والفطرة الإنسانية .
بعد مائة عام ، ومع الإحتلال الأمريكي ، يجد هذا الشعب نفسه منقسما ً متشظيا ًممزقا ًطائفيا ًوقوميا ًودينيا ً، ليس هذا فحسب، بل يتقاتل بالكلمة والشعار والرصاص والإستقواء بالآخر والعزلة والإنكفاء الذاتي ، وفي ظل دستور دائم، يساعد على التوزع وليس التوحد، ومن هنا صار التغالب صفة الحوار القائم على التسقيط بين العراقيين ، وتبدى منهج الغزو والنهب في ملامح السلوك الجمعي والفردي على حد سواء ..!؟
واقع عراقي أعطى إنموذجا ً في قدرة العقل والإرادة على الإنتقال النوعي من جماعات رعوية وقروية، الى حياة مدنية تبتكر الحداثة وتبدع في إنتاج أنماط الحضارة والذوق والجمال ، في زمن لم يتجاوز الأربعة عقود ، من 1921تاريخ تأسيس الدولة العراقية وحتى سقوطها في 1958.
سقطت المدرسة السياسية القومية وكذلك الشيوعية ، والآن نشهد سقوط المدرسة السياسية الإسلامية، بعد عشر سنوات من فساد تاريخي كارثي يفوق كل تاريخ فساد الإسلام السياسي في المعمورة ..!
الإحتلال الأخير وضعنا على سكة التحلل والتآكل ليس السياسي فقط ، إنما الأخلاقي ، ولم يخطأ احمد شوقي حين قال ؛” إنما الأمم الأخلاق “.
عراقنا اليوم يراد له حسب أجندات التقسيم ، التحول الى ثلاث دويلات صغيرة ، شيعية ترمي رأسها في الماضي وتتقدم في ثقافة المقابر،وسنيّة تسعى للبحث عن هوية والإتفاق على مرجعيات، وكردية تضع اقدامها في العراق وتتلفت حولها محاولة لم الشمل القومي في ترنيمة وهم وحلم مستحيل ..!
بلاد تكاد تكون “أضحوكة” ولعبة قمار لدول الجوار التي تمسك بأطراف اللعبة ، بينما أهلها يتشاتمون ويتقاتلون وينقسمون، أزاء موضوع لايعنيهم أبدا ً.