كما هو الحال في عام 2011 ،انتهت أزمة سياسية عراقية عقب إصدار مذكرة اعتقال من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي ضد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي على مزاعم ادارة فرق الموت، و مع نهاية 2012 ولدت ازمة سياسية اخرى تتعلق بوزير المالية رافع العيساوي، وهو عضو في كتلة العراقية بزعامة أياد علاوي. في هذه الازمة، صدرت مذكرة التوقيف ليست ضد العيساوي نفسه، بل ضد بعض أعضاء الوفد الامني المرافق له ، بانهم تورطوا في مساعدة رجال الهاشمي.
كما هو الحال دائما، شددت وسائل الإعلام على الخلفيات العرقية والدينية للمشاركين في هذه الأزمة السياسية الراهنة، وهما: المالكي باعتباره شيعيا مقابل العيساوي، وهو من العرب السنة.
توصيل الخبر عن المظاهرات التي نشأت في وقت لاحق في المحافظة ذات الأغلبية العربية السنية (الانبار) احتجاجا على التحرك ضد العيساوي اتخذ طابعاً معيناً فقد ذكرت وكالة أسوشيتد برس المطبوعة على موقع الجارديان تحت عنوان “احتجاجات العراق تشير الى تزايد التوتر بين السنة والشيعة المجتمعات. ” أما النص الرئيسي فيقول: “إن الاضطرابات هو جزء من الصراعات الطائفية التي تهدد استقرار البلاد”.
على ضوء ذلك لا بد من توجيه السؤال التالي: هل ان كارثة العراق السياسية الحالية تشير الى أزمة بين السنة والشيعة؟. هل ازمة المالكي العيساوي طائفية بحتة؟
وباختصار، فإن الجواب هو نعم ولا.
نبدأ مع بعض الأدلة التي تشير في الاتجاه الإيجابي في الإجابة على السؤال. لعب المالكي والمعارضين له على حد سواء على الوتر الطائفي، و تم توجيه الاتهامات على بعضهم البعض في إثارة الفتنة الطائفية، و الكل يصورون أنفسهم مدافعين عن المجتمعات العرقية والدينية التي يدعون أنهم يمثلونها.
على سبيل المثال، في مقابلة مع صحيفة الحياة، ادعى طارق الهاشمي: “ما يحدث لزميلي الدكتور رافع العيساوي هو دليل آخر على أن هناك مؤامرة لاستبعاد العرب السنة من العملية السياسية”. ثم اضاف بأن المالكي هو “رجل طائفي للغاية”، لكنه مع ذلك أكد أن المالكي لا يستهدف فقط العرب السنة.
عبر الهاشمي كذلك على مذكرة التوقيف ضده بعبارات مماثلة، وحث العراقيين على عدم السماح للمالكي وحلفائه الحصول على رغبتهم من “الفتنة الطائفية.” وعلى نفس المنوال اتهم المالكي رد فعل المعارضة في ازمة العيساوي على انها اتخذت بعدا “طائفياً” ضد الشيعة.
أما جمهور الناس على جانبي الأزمة فقد لمحوا على أن الازمة لعبة طائفية تجري بتحريض من قوى أجنبية في المنطقة. أحرق محتجون الأعلام الإيرانية في الأنبار، و اتهم احد نواب الجبهة العراقية المالكي وحلفائه على انهم خونة في خدمة ايران ، وبعض اللافتات تدعو لتحرير أهل السنة في العراق من المحتل الإيراني. وفي الوقت نفسه، لمح المالكي أنه قد تكون هناك يداً تركية و سورية وراء الاحتجاجات، لافتا الانتباه إلى أن بعض المتظاهرين كانوا يحملون صورا لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان و أعلام الجيش السوري الحر .
كذلك فان محطة تلفزيونية ايرانية ناطقة باللغة الإنجليزية ادعت أن “تركيا تعمل بشكل وثيق مع قطر والمملكة العربية السعودية و آل الهاشمي لزيادة حدة التوتر مع الحكومة العراقية الحالية”، وهو شعور يشترك فيه معها العديد من أنصار المالكي.
يوضح خطاب وهتاف الرجال اعلاه قبل كل شيء هو ان عدداً من السياسيين في العراق يلعبون على الوتر الطائفي لحشد التأييد عندما يشعرون أنهم في مأزق.
يتزامن مع هذا النهج هو عقلية الضحية التي تشير بطبيعة الحال الى مزاعم بان القوى الأجنبية تلعب دورا هاماً في إثارة الاضطرابات. هذا الخطاب بدوره يساعد على إثارة المشاعر الطائفية في المظاهرات والمظاهرات المضادة و هلم جرى.
هل يمكن ان نستنتج من ذلك أن المالكي طارد العيساوي لأنه سني فقط؟ الجواب كلا. الحقيقة هي أن المالكي سيتوجه ضد أي سياسي يشك أنه يشكل تهديداً لنفسه، أو سيلاحق أي شخص يعمل في مؤسسة حكومية أو أخرى مشابهة من الذين يشعر نحوهم بانه لا يملك ما يكفي من السيطرة على سلوكهم.
لم يستهدف المالكي العيساوي بسبب هويته العرقية والدينية، و لكنه ربما ادرك بان العيساوي قد يكون منافسا شخصياً له على المدى البعيد و بالتالي يحتاج إلى أن يتم حصره في مكانه.
على سبيل المقارنة، ينبغي للمرء أن يلاحظ محاولات المالكي لاتخاذ اجراءات صارمة ضد النائب صباح الساعدي و هو من الشيعة، و غير مرتبط بأي كتلة سياسية. كان السعيدي شديدة الانتقاد للفساد في الحكومة، وكان آخرها ظهوره على الهواء مباشرة مستهدفاً الحديث عن فضائح الفساد في أعلى صفوف حكومة المالكي.
منذ ايلول 2011، كانت هناك مذكرة اعتقال ضد السعيدي، و صدرت في سياق تهديد السعيدي لفضح كيف تم استخدام وكالة الاستخبارات من قبل المالكي ضده.
قضية اخرى مرتبطة بقضية السعيدي هو أمر اعتقال رئيس البنك المركزي: سنان الشبيبي. الشبيبي هو شيعي،و الذريعة الرسمية اتهامات بالفساد المالي، و لكن معظم السياسيين خارج كتلة دولة القانون استنتجت ببساطة على ان هذه الخطوة محاولة من جانب رئيس الوزراء لتأكيد السيطرة على البنك المركزي.
ترى حتى كتلة المواطنين – بزعامة عمار الحكيم، الذي هو حليف في حكومة المالكي الائتلافية وزعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي – حذر من أن التحرك ضد الشبيبي قد يكون نقطة انطلاق نحو ” دكتاتورية الرجل الواحد.”
قد ينظر من هم خارج فصيل المالكي نفسه على التحرك ضد العيساوي يسير في نفس الطريق. على سبيل المثال، أشار التيار الصدري، الذين كانوا على خلاف مع رئيس الوزراء ليس فقط لمذكرة التوقيف ضد الشبيبي ولكن أيضا لفضيحة الاسلحة الروسية تعاطفهم نحو مظاهرات الاحتجاج على “الفساد والديكتاتورية”.البعض من التيار الصدري ذهب إلى محافظة الأنبار لاظهار دعمهم، و في محافظة البصرة الشيعية اعلن مجلس شيوخ القبائل أيضا تضامنا مع الاحتجاجات في الانبار. لكن التيار الصدري اشار الى انه لن يشارك في أي احتجاجات فيها علم الجيش السوري الحر او أي رايات تتضمن شعارات طائفية.
ما نلاحظه أعلاه أن بعض الشخصيات مع او ضد المالكي لعبت على الوتر الطائفي في خطابهم حول الأزمة السياسية الراهنة. كان الاستثناء الرئيسي هو العيساوي، الذي كان في مظاهرة في الرمادي وأكد أن الاحتجاجات يجب أن تمثل جميع العراقيين وان المالكي يستهدف جميع خصومه، وليس فقط العرب السنة.
هذا يوضح أن العيساوي هو أكثر اعتدالاً بكثير من الهاشمي، الذي يعتبره البعض مذنباً بارتكاب التهم الموجهة إليه، حتى و ان كان صدور أمر الاعتقال بحقه قد تم في سياق سياسي و تنافس مع المالكي.
لا بد من الاعتراف كذلك بأن طبيعة ذريعة التهم الموجهة ضد الوفد المرافق للعيساوي لا تخلوا من نكهة طائفية. عندما يتوجه المالكي ضد خصومه، فمن المتوقع أن ادعاءات خطيرة في تورطهم في الإرهاب سوف تلعب دورا إذا كان الخصم من العرب السنة. في المقابل، أوامر اعتقال ضد المعارضين الشيعة يتطلب ذرائع أقل خطورة من ذلك بكثير.
متى ما ادرك المالكي بان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يشكل خطراً عليه فان مذكرة ستصدر بحقه على خلفية تورطه في قتل السيد عبد المجيد الخوئي رغم ان هذه الاتهامات سياسية بحتة و لكنه لا تقل عن صحة الاتهامات الموجهة ضد الهاشمي. لكن المالكي لن يستخدم ذريعة ضد خصومه من الصدريين يادارة فرق الموت في 2006-2007 ايام الحرب الاهلية التي تركزت في بغداد حيث كانت تحت حمايته الشيعية ، و التمرد السني كان يمثل تهديدا وجوديا.
خلاصة القول، أنه من الواضح أن المالكي لم يذهب بعد العيساوي لأنه من العرب السنة. بدلا من ذلك، كما هو واضح من سجل المالكي في التعامل مع المنافسين في أماكن أخرى ، لعبت عداوة شخصية بين الاثنين دوراً أكبر، و كذلك الواضح أن الناس في كلا الجانبين قد أثارت الخطاب الطائفي لحشد الدعم، وأن المظاهرات في الأنبار (تحدث الآن في مدينة الموصل الشمالية) قد اتخذت طابعا طائفيا اكبر مع مرور الوقت.
في أي حال، فإن رد فعل الفصائل السياسية العراقية الأخرى خارج كتلة دولة القانون – انتقدت بأغلبية ساحقة المالكي في ازمته ضد العيساوي و حذرت من التفسير الطائفي. المشكلة الكبرى بصراحة هو غياب دور القانون الفعال في العراق.
ماذا بعد للمالكي؟ يبدو أنه أدرك أنه قد ذهب بعيدا جدا في ملاحقة الوفد المرافق العيساوي، وفقا لذلك يحاول استرضاء البعض بالموافقة عل طلب نقل بعض السجينات من بغداد الى الانبار الذين اشتكوا من التعذيب في سجون العاصمة.
تماما كما تراضى المالكي في نهاية المطاف مع صالح المطلك، الذي كان قد اتهم المالكي علنا بأنه ديكتاتور أسوأ من صدام (وهوجم مؤخرا من قبل المتظاهرين في الانبار)، وبالتالي فإنه سيحاول القيام بذلك مع العيساوي.
ومع ذلك ينبغي علينا ألا نعتقد أن المالكي قد اكتسب شيئا من هذه الهزيمة. على العكس من ذلك، من المحتمل بان موقفه بين العرب السنة في المناطق المتنازع عليها قد تضائل مع قرب انتخابات مجالس المحافظات هذا العام نتيجة لموقفه ضد العيساوي، رغم ان لعبته السياسية خلال الشهر الماضي او نحو ذلك مع حكومة اقليم كردستان قد ساعدته على بناء قاعدة دعم بين العرب – الشيعة والسنة على حد سواء – في المناطق المتنازع عليها بين الجانبين.
وفي ملاحظة أخيرة، يجب توخي الحذر من استحداث علاقة بين الأزمة السياسية الحالية و احتمال هجمات ارهاب تنظيم القاعدة في العراق. تحليل البيانات عن العنف يوضح ان ما تبقى من الارهاب موجه أكثره ضد جموع الشيعة الابرياء اثناء المواسم الدينية و ذكرى الاربعين غداً.
Iraq: Playing the Sectarian Crisis Card
American Spectator(02/01/2013)
أكسفورد