الديمقراطية التي جاءت مسحوبة بأذيال الإحتلال الأمريكي لم يكن نظاماً حقيقيا ، بل إنه نسخة مزيفة ممسوخة ( إن جاز التعبير ) من ديمقراطية كان من الصعب على شعب منهار نفسياً ومعنوياً غاب عنه الوعي الفكري والإدراك الحسي أن يفهمه ويستوعبه بعد أن رزح لعقود طويلة تحت وطأة نظام إشتراكي أيضاً مزيف وممسوخ فرضه عليه حزب البعث المنحل ذو الأهداف الثلاثة ( الوحدة والحرية والإشتراكية ) والتي حفظها الشعب عن ظهر قلب قسراً وإجباراً دون أن يفهم معناها لأنه لم يجد لها هدفاً حقيقياً يتحقق على أرض الواقع كي يستطيع فهمه بشكل صحيح ، وبين ليلة وضحاها أصبح في ظل نظام ديمقراطي لم يفهمه الغالبية العظمى من الشعب وكل ما أستطاع أن يصل إليه في تعريفه للديمقراطية بأنها حرية التعبير عن الرأي ، وهنا كانت الطامة الكبرى ( حرية التعبير ) التي تجاوزت حدود الأخلاق والقيم الاجتماعية لتُعَبِّر الحرية عن نفسها بالقتل والسلب والخطف ، تلاه تعاطي المخدرات وإدمان الكحول ، ثم الإقتتال الطائفي ، الإنحراف السلوكي والأخلاقي ، فقدان الولاء والإنتماء ، اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية ، السب والشتم الإعلامي ، تنازع السياسين وإتهام بعضهم بعضا ، نظام إنتخابات مدفوع الثمن مسبقا ومشكوك بنتائجه ، وكل هذه الأفعال وغيرها مارسها أغلبية الشعب والسياسيين تحت مظلة الديمقراطية ، وإذا قلت لأحدهم بأن الديمقراطية لا تمارس هكذا وحتى الحرية لها حدود ، لأجابك في ثورة غضب إجابة عقيمة مُعرِّفا من خلالها الديمقراطية على أنها حرية التعبير عن الرأي وأكثر من هذا لا يستوعب عقول الغالبية ، وإذا ما قارنَّا ديمقراطيتنا مع الديمقراطيات الأخرى نجد بأن هذا النظام له ميزات لا يوجد مثلها في نظامنا ومن هذه الميزات :
1- الديمقراطية محرك قوي في تحريك المجتمعات الإنسانية.
2- تكون الحرية عاملا مشتركا بين المواطنين كافة .
3- زيادة قناعة المواطنين لتفعيل الديمقراطية والدفاع عنها وإلزام الحكام بها.
4- رفع الخوف من قلوب المواطنين بتحفيز الوعي والمطالبة بالحقوق.
5- ترسيخ الكرامة وإنماء الإستقلالية والنضج الفكري والسلوك الاجتماعي.
6- إِفساح المجال للنقاش الحر باللجوء إلى العقل في إقناع الآخر .
7- إدارة الصراع السياسي والاجتماعي بشكل سلمي.
8- إعطاء فرصا أكبر للتأثير على مجريات الأحداث والمساهمة الجادة بالحياة العامة من خلال العمل السياسي والمدني وبإستخدام وسائل النشر والإتصالات الحديثة المتاحة في المجتمع.
9- إيجاد آلية واضحة لتطبيق مفهوم السلطة وممارستها في كافة مستويات العلاقات الإنسانية.
10- جعل الشعب حاكماً ومحكوماً في ذات الوقت.
فأي من النقاط التي ذكرتها آنِفاً تم تطبيقه في العراق من قبل شعبه وقيادته ، لا يسعني أن أوضح أكثر فالشرح يطول ولم يكن غرضي من المقال أن اشرح بالتفصيل ما تعني الديمقراطية التي تعتمد على أسس وركائز ولها خصائص وميزات ، ولكني حاولت أن أبين بعض النقاط التي يتميز بها النظام الديمقراطي الحقيقي وليس النظام الممسوخ الذي فرضته علينا أمريكا والذي عَبَّر عنها مَنْ لا خلفية له ولا معرفة بالأنظمة وكل ما تعلمه عن هذا النظام حرية التعبير عن الرأي لا أكثر وقد تم التعبير عن الحرية بخلق فوضى عارمة وعبثية لا متناهية أدت بشكل أو بآخر إلى إعاقة المجتمع وتدمير نظامه الإجتماعي والسياسي والثقافي …إلخ …إذن نستخلص من حديثنا بأن الديمقراطية التي جاءت بها أمريكا إلى العراق لم تكن سوى فخ وضيع أُضطُرِرنا للوقوع فيه ، وهاهي اليوم تثبت فشلها بكل جدارة ، وكالعادة على الشعب تحمل نتائج هذا الفشل دون سؤال ، لذا يتوجب علينا أن ننبه لأمور معينة تتعلق بالديمقراطية وذلك لغرض تصحيح المسار الخاطىء لِمَنْ انحصر مفهومه عند حرية التعبير فقط فطفق
في الأرض يعيث فساداً دون دراية وبحجة الحرية ، فالديمقراطية نظام سياسي واجتماعي حيث يكون الشعب هو مصدر السيادة والسلطة بمعنى أنه يحكم نفسه عن طريق إنتخاب ممثلين عنه ، والديمقراطية لا تقتصر على إشراك المواطن في الإنتخابات ومنحه حق إختيار ناخبه وممثله بل له الحق في مراقبة النظام السياسي وإجراء الحوار والنقاش والإستجواب والمسائلة وعلى السلطات أن تستجيب وتشرح الأسباب وتقدم الحجج والبراهين ، وفي ظل الوعي الجماهيري على الأحزاب السياسية الإنصات والأخذ بالأفكار النيَّرة المطروحة وذلك لأجل التلاحم بين المواطنين والقيادات السياسية ، ونتمنى أن يكونوا – المواطنين – أكثر وعياً في الدورات الانتخابية القادمات وأن لا يعيدوا ذات الأخطاء بإنتخاب ممثلين لم يمثلوا إلا أنفسهم ومصالحهم الشخصية ولم يقدِّموا ولو إنجازاً واحداً يحتسب لهم ليشار إليهم بالبنان ، عسى ولعل في السنوات القادمة نتمكن من دفع عجلة هذا البلد إلى الأمام لا أن نبقى نسحبه إلى الوراء حتى أوشك أن يقع في هُوّة كبيرة .