19 ديسمبر، 2024 5:50 ص

العراق وضياع الهوية الوطنية

العراق وضياع الهوية الوطنية

لحضات قليله قبل نزول المطر ,عندما كانت الشمس المحرقه تصب جام غضبها عليه وهو يسير نحو دائرة التقاعد مهرولاً وعرقه يتصبب من جبينه الاسمر الذي تركت عليه هموم الدنيا طعنات الغدر والانكسارات المتتاليه التي تشبه جبهته المتشققه , اخرج من جيبه منديلاً من قماش ومسح على جبهته وقال يا الله ,ما اشد ارتفاع حرارة الجو هذا اليوم , بعدها وقف في الطابور الغير منتظم وكانه سيرك وليس دائرة خدمية للمواطنين العراقيين , في تلك اللحضة ابتسمت له ..يا شيخ مالذي اوقفك في الطابور الخطأ , فاجاب “بويه هو وين اكو طابور شو تايهه الشغله ” ورد احد الواقفين امامه وكان اقل منه سناً بتهكم “سمجه من راسها خايس بقت على دائرة التقاعد”

ايها الطيبين اننا نعاني من ضياع الهوية العراقية وليس ضياع الكرامه فقط , ليس ضياع الامل , وضياع الأحبه , العراق اليوم بلا هويه والهوية التي نذكرها دوما هي ليس البطاقة التعريفية للمواطن العراقي ,بل هي الاحساس بالمواطنه وهذا الحس لا يتولد نتيجة منح مميزات وسكن ومأكل وغيرها , فالكثير ممن يمتلكون هذه المميزات ايضاً ليس لديهم الانتماء , والانتماء هي حالة من الشعور بالذات الانساني تجاه قضية معينة او

هدف معين يسمى الهوية لو قررنا ان نسال اي مواطن خارج من مسجد ما هي هويتك , سيتبادر لذهنه اول شيء “هويتي هي الاسلام ” ولو اضفنا اليه ما هي هويتك الاكثر ولاء , ربما سيقول ولاية آل البيت اذا كان شيعيا او يقول القومية الكوردية اذا كان كورديا , وهذه لم تأتي وليدة الساعه ولا السنه ولا حتى جيل معين , بدا ضياع الهويه العراقيه عندما ضهرت الاديان والعقائد التي اصبحت تحارب هوية الدوله التي تمثل الكيان الاداري للأرض التي يسكنها هؤلاء المتمسكين بالهويات الاخرى , تصل بهم تدمير الوطن والاهل والاحبة من اجل هذه الهوية الجديده التي ألغت هوية الاوطان , ولو اخذنا تجربة بسيطة عما يحصل الان او مما حصل في العهد الجمهوري القومي الذي ارتدى ثوب العلمانية ثم خلعه بعد ان ركب السلطه واصبحت القوميه والمذهبيه هي الاساس في حكمه منذ فترة 1979 والى 2003 كانت الهوية العراقية منتهية تماما لدى الكثير من الفئات امثال الشيعه والاكراد والتركمان الذين كانوا يعانون من هويتهم العراقية ,التي لم تمنحهم اي شيء فاصبحت الهوية الشيعيه والكردية والتركمانيه هي الهوية الحقة والمتبعه وصاحبة المبادىء التي يجب الاستشهاد من اجلها , لهذا حصلت انتفاضات في هذه المناطق متوالية تحمل شعارات قوميه ومذهبيه صارخه “ماكو ولي الا علي ونريد قائد جعفري ” هذا الشعار الذي استخدمه الثائرين الشيعه في عام 1991 لكون

الثوره اساسا قامت على هوية ثانوية وليست هوية وطن واحد , رغم معانات العرب السنة من نظام صدام وبطشه عليهم المستمر وقفوا ضد الثورة وناصروا النظام رغم دكتاتوريته وكذلك ناصر الكثير من الشيعه المتخوفين من الحكم الديني نظام البعث الفاشي رغم تجبره , هذه الهوية التي يراها المذهبيين مقدسة هي نفسها تراها بعض المذاهب عاراً يجب القضاء عليه , في ما تصر جميع الاطراف على الاعتراف بانعدام الهوية العراقيه وتصر على الهويات الأخرى التي تعتبرها رمزا مقدسا وكبيرا لا يمكن التنازل عنه لاي سبب وتحت اي ضغط , لو نلاحظ قليلا ما الذي صنع هذه الهوية الثانوية او المذهبيه , انه غياب العدل الاجتماعي واستغلال اصحاب المصالح لهذا الغياب وملأه بهوية اخرى واكسابها روح مقدسة وخطيره وحتى ربطها بالخالق , حتى يتمكنوا من السيطرة على عواطف الناس الغير مدركين لخطورة القادم في الايام التي سيعيشها ابنائهم , ضياع الهوية صنع داعش وصنع الضياع , وصنع المفخخات , هؤلاء كلهم ليس لديهم مفهوم اساسي للمواطنه الحقيقي , حتى فتوى الدفاع التي أطلقها السستاني كانت في فترة ضياع الهوية , يحاول البعض ان يقنع نفسه بأن العراقيين قادرين على تقبل الآخر بصراحة هذا وهم كبير لايمكنه ان يصل الى مستوى الحقيقه والسبب هي

الصراع الداخلي للفرد العراقي والعنصرية والمذهبية التي تمنحه ميولات اخرى تختلف عن ميولات الاخرين من الطوائف وهذه الأتجاهات تعطية اهداف مختلفه ولذلك نلاحظ داخل البيت الشيعي والكوردي والسني انزلاقات كبيره وعدم توحد لان الغايات مختلفه , واني اشعر بالألم الكبير عند اطلاق التسميات المذهبية لكنها واقع لا يعالج بالألم بل بالتخطيط لازاحة هذا الهم الكبير في الشارع العراقي الذي يتعدى هم داعش والسياسيين الفاسدين .

الحل في نضري هو ايجاد هوية ليس لها امتداد قومي او عرقي او اثني وهي التي ستصنع هوية المواطنه وسوف تصهر الهويات الاخرى السنية والكردية والشيعيه , وهذا يحتاج الى عشرات الاعوام قد تصل الى خمسين عام على الأقل لتحقيق ذلك ,الأمتداد القومي العربي او الكردي هو خطر كبير جدا في هذه المرحله صنع حالة من اختلال علاقات الاوطان اكثر من ان يجد تقارب بين الدول , لهذا الابتعاد عن هذه الهوية شيء مهم جدا , كذلك الامتداد الديني والمذهبي اشد خطرا على العراق وما شهدناه ان داعش تستدرج شباب الاسلام من كل دول العالم تحت ذريعة الجهاد , الهوية الوحيده التي ليس لها امتداد اقليمي هي الهوية السومرية وهي من اراها هوية تمثلنا فهي لا قوميه ولا مذهبيه بل هي عراقية …..

هجرة جماعية من بلد مستأجر
.
ثمة عوالق في عقلية المواطن العراقي، وما كاد التخلص من كابوس؛ حتى وقع في ظلام كثير الأشباح، وما أن تنفس بخروج الدكتاتورية، التي تقتل ما تشاء وتقمع من يُخالف، وترهن الدولة بيد قائد الضرورة، وحروبه الهمجية، التي أتاحت له هدر الأموال بفردية، دخلنا الديمقراطية وتعدد قادة الضرورة وتشتت الشعب.
يعترف معظم الساسة، ويتفق غالبية الشعب؛ على فشل إدارة الدولة في الأعوام المنصرمة، وعدم أهلية القائمين على السلطة؟! ولكن الساسة يعزوه لنظرية المؤامرة.
لا عجب إذا وضع العراق في آخر سلم المعرفة، والأول في هرم الفساد ونهب الأموال؛ بهدر 200 مليار دولار بدورة إنتخابية واحدة، تكفي لعيش العراقيين سنوات بدون تصدير نفط، وموازنات تستطيع بناء العراق من جنوبه الى شمال بطابقين؟! وبتلك الأموال يستطيع إستئجار جيوشاً للدفاع عنه، ويجذب أفضل شركات العالم لبناءه وإيجاد فرص مناسبة للعمل، ولا يسمح بهجرة أبناءه أذلاء بين الدول؟!
“رئيس وزراء فنلندا، يوها سيبيلا، يعرض منزله الخاص لإستضافة طالبي اللجوء، حسب تصريحات نقلتها قناة (واي.إل.ئي) الفلندية ، ودعا الشعب الفلندي لإظهار التضامن مع اللاجئين المتجهين إلى أوروبا هربا من الحرب والفقر”.
هرب المواطنون لأنهم وجدوا القصور مغلقة الأبواب، وساستهم في عزلة عن شعب يُطاره الفقر والإرهاب وإستبداد فاسدين إستحوذوا على قصور الدولة؛ كإنها ملك صرف لهم، فلا نائب ولا وزير ولا نائب رئيس الجمهورية يُسلم قصره، ورغماً على أنف العراقيين يحتفظون بالحمايات والخدم والمخصصات؛ وإلاّ من ينفق على الضيافة والولائم والوقود؟! وما يزالوا يناغمون دعوات الشعب ولا يطبقون الإصلاح؛ على إعتقاد بأن رؤوسهم كبيرة لا يمكن كسرها؟!
إذا حكم القطيع بنظرية المقاطعات المتقاطعة، وخدع الفاسدون شعبهم، ومصير البلاد بيد أميّ السياسة؛ فأن الشعب يدور على نفسه، ويعيد إنتخاب الوجوه الكالحة ويشتمهم بعد فترة؟! إذْ لم يسثمر قادة حكمو العراق 13 عام تجارب الدول التي سبقت، فقد قامت الصين بتأجير هونك كونك عام 1896 الى بريطانيا العظمى، وإستلمتها بعد 99 عام؛ كمركز تجاري وناطحات سحاب، وصناعات غزت العالم، وإقتصاد مزدهر وضرائب منخفضة وسوق حرة؛ بينما في العراق فتحوا أبواب هروب الشعب، وإستأجروا أرضهم لعصابات الفساد ومافيات النهب، التي تخطط أن تجعله تراب بلا شعب؟! وأوصلوا الشعب الى نظرية؛ كرامة الغرب وبؤس معتقادتهم.
لو أن ما يحدث بالعكس تماماً؛ لوجدنا العراقيين، يلتحفون السماء ويغطون مستجيرهم، ولكن ساستهم سعوا الى عكس المفاهيم فكانوا كفراً على شعبهم، وقادة الدول رحمة.
عند تحليل ظاهرة الهجرة الجماعية الى أوربا، وفتح الدول حدودها أمام مئات آلاف الشباب، فمن المؤكد أن في الأمر مؤامرة؛ إذْ كيف يُطالب زعيم حزب العمال الإسرائيلي بفتح الحدود أمام السوريين، والغرب لا يفرق بين المسلم والإرهابي؟! وعند الوقوف على نظرية المؤامرة التي يُرددها ساسة العراق؛ نجد أنهم أكثر تآمر على شعبهم، وهم إستأجر البلاد الى مافيات عائلية ستفرغه من سكانه، وتنتزع قيمه بتعميم إتهام الفساد، الذي جعلوه شرفاً لهم، ويقولون: حشر مع الفاسدين عيد.
هكذا عدنا من دائرة التقاعد بعد ساعات من الانتضار والتسائل وسوء المزاج نتسائل كيف نضع حلا ً لوطن تسبب اهله بضياع مستقبل ابنائهم …..

أحدث المقالات

أحدث المقالات