7 أبريل، 2024 2:07 م
Search
Close this search box.

العراق وضرورات الابتعاد عن المحاور الاقليمية والدولية في سياسته الخارجية

Facebook
Twitter
LinkedIn

تشهد منطقتنا العربية ومنطقة الجوار الاقليمي حاليا شدا وتجاذبا قويا يحمل في طياته مؤشرات صدام ومواجهة وفي اكثر من ساحة واحدة تتجابه فيها محاور تشكلت على خلفيات ايديولوجية وقومية وربما حتى طائفية منها ما يعود الى فترة الحرب الباردة وهو المحور الصيني الروسي من جهة والمحور الامريكي من جهة اخرى ، ومنها ما تشكل حديثا نظرا لما تشهده المنطقة من شد وجذب ايديولوجي وقومي وطائفي.  فالتصعيد قائم على اشده بين اسرائيل وامريكا وتتبعها الدول الغربية الاخرى من جهة وايران وحزب الله بدعم روسي من جهة اخرى ولعل اخر فصل من فصول هذا التصعيد هو ارسال حزب الله طائرة استطلاع اخترقت الاجواء الاسرائيلية واعترف الحزب المذكور انه هو الذي ارسلها فيما اعلنت ايران فيما بعد انها هي التي زودت حزب الله بها . ومن جانب اخر التدهور الحاصل في الاوضاع السورية والاقتتال العنيف الحاصل بين قوات النظام وقوى المعارضة المدعومة من قبل عدد من الدول العربية والغربية.
ولما كانت الاوضاع الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط تسير بهذا الاتجاه الدراماتيكي، وفيما تطرق طبول الحرب في كل ارجاء المنطقة يبرز السؤال التالي بل يطرح هذا السؤال نفسه بقوة، ما الذي يجب على العراق فعله في ظل هذه المتغيرات المتسارعة وفي ظل هذه الاجواء المشحونة، وفي ظل سياسة التمحور القائمة منذ فترة؟ هل يعلن العراق انضمامه الى هذا المحور او ذاك كما يدعو الى ذلك بعض الكتاب المهتمين بالشأن العراقي بحجة ان وضعه الهش يجعل من الضروري ان ينضم الى محور ما من المحاور السالفة الذكر كي يحميه هذا المحور، ام يعلن العراق حياده التام ازاء هذه المحاور المتقابلة حفاظا على مصالح شعبه لا سيما وان الانضمام الى هذا المحور او ذاك سيكون له تبعات وثمن، ان لم يكن أثمان عدة، ونتائج عكسية ومردودات سلبية على الجبهة الداخلية بل وحتى على صعيد العلاقات التي تربطه بدول العالم وبدول الجوار العربي والاقليمي بأجمعها.
ان القول بضرورة انضمام العراق الى محور من المحاور المذكورة بحجة هشاشة وضعه وحاجته الى مساعدة الدول الاخرى للدفاع عن نفسه هو قول لا يمت الى الواقع بصلة ولا يقوم على اسس ودلائل واقعية وقد يسأل السائل لماذا؟ والجواب هو ان الدولة التي تعلن الحياد او الحياد الايجابي ستضع نفسها بمنأى عن اطراف الصراع وستحترم تلك الاطراف حتما ارادة هذه الدولة كونها نابعة من مصالح شعبها لا من مصالح الدول الاخرى المتصارعة، ثم ان عدم امتلاك العراق للقدرات العسكرية الكبيرة هو الذي يجب ان يكون سببا لعدم الانخراط في الاحلاف او المحاور يضاف الى ذلك اسباب اخرى تخص العراق دون غيره يمكن اجمالها بالاتي:
1- عانى الشعب العراقي طوال العقود الثلاثة الماضية من ثلاثة حروب وهي الحرب العراقية – الايرانية وحرب تحرير الكويت التي قادتها ضده الولايات المتحدة وحليفاتها عام 1991  ومن ثم الحرب الاخيرة في عام 2003 وما خلفته تلك الحروب من خسائر مادية وبشرية هائلة في صفوف الشعب العراقي وما تركته من اثار اجتماعية واقتصادية ونفسية خطيرة وصلت الى بنية المجتمع ونسيجه وتركيبته الاجتماعية بل وما زال يعاني منها المجتمع العراقي حتى الان، فليس معقولا ان يخوض هذا الشعب غمار حروب اخرى او يكون طرفا في صراع اقليمي او دولي  وهو ما زال يعاني من اثار الحروب السالفة الذكر.
2- تعرض العراق بعد غزو وضم الكويت عام 1990 الى حصار دولي قاس فُرض بقرار أممي واستمر طيلة ثلاثة عشر عاما اي حتى الغزو الامريكي للعراق عام 2003 فترك هذا الحصار اثاره المدمرة على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وأدى الى تدمير البنية التحتية لقطاعات الدولة المختلفة بالاضافة الى تدمير البنية التحتية للقطاع الخاص والتي كانت بالاصل محدودة فتراجعت مستويات الدخول وانسحقت الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع العراقي وتفشى الفقر بصورة خطيرة  في العراق وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخه الحديث، وتقارير المنظمات الدولية خير شاهد ودليل على مدى الاثار الخطيرة التي تركها الحصار المذكور على المواطن العراقي، وما زالت مستويات الفقر في العراق مرتفعة ومخيفة حيث تشير احصاءات وزارة التخطيط العراقية الى ان مستوى الفقر يبلغ نسبة 23% من السكان الا ان هناك دراسات اخرى ترجح ان يكون مستوى الفقر في العراق حاليا اكثر من نسبة  25% ، اي ان هناك قرابة 8 مليون عراقي يعانون من الفقر في بلد مثل العراق يمتلك من الموارد الطبيعية ما لا تملكه الكثير من دول العالم ويقع على رأس هذه الموارد النفط .   
3-  بالنظر للظروف السالفة الذكر التي مر بها الشعب العراقي فأن الحكومة العراقية لا بد من ان تركز جل اهتمامها بأعادة بناء الانسان العراقي وبناء البيت العراقي من خلال اجتثاث الفقر، واعادة بناء العلاقات بين مكونات الشعب العراقي الاثنية والطائفية على اسس المواطنة الصالحة وحب الوطن والتفاني في خدمته واحترام الاخر وتجاوز الخلافات مهما كانت كبيرة وايجاد الحلول المبتكرة لحلها وان تكون الدولة العراقية وسيطا  بين كل الاثنيات والطوائف ، واعادة بناء البنية التحتية المدمرة ورفع كفاءة الانسان العراقي الثقافية والعلمية يضاف الى ذلك اعادة بناء القوات المسلحة العراقية وبناء العقيدة العسكرية العراقية على اسس وطنية بعيدة عن الحزبية والطائفية وتجهيز هذه القوات بالاسلحة الحديثة واستثمار خبرات الجيش السابق في القدرات القتالية لحماية العراق والدفاع عنه ضد التهديدات الخارجية والتركيز على ان تكون عقيدة القوات المسلحة العراقية عقيدة دفاعية بحتة تحافظ على وحدة التراب العراقي وتصد الاعتداءات الخارجية ان وجدت.
4- ان الموقع الجيوسياسي للعراق لا يؤهله لأن يتخذ موقفا منحازا لهذا الطرف او ذاك لان العراق وببساطة يقع في محيط اقليمي معقد فيه دول غير متصالحة وفيه مشكلات متشابكة وعميقة ، فالعلاقات الايرانية مع السعودية ودول الخليج الاخرى ليست على ما يرام والعلاقات التركية الايرانية هي الاخرى ليست على ما يرام بسبب الازمة السورية وغيرها من الاسباب، هذا فضلا عن القضايا الدولية الاخرى الشائكة لا سيما المنافسة والحرب الباردة الثانية التي بدأت تطفو على السطح بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، وبين الصين والولايات المتحدة، ويتمتع العراق اليوم بعلاقات جيدة مع هذه الدول جميعها لذا فأن هذه القضايا تتطلب من القيادة في العراق حنكة سياسية تقوم على اعلان الحياد من القضايا الاقليمية والدولية المذكورة كوسيلة لتجنب المواقف السلبية التي قد تتخذها الدول الاخرى من قضايا العراق خاصة وان العراق بحاجة اليوم، واكثر من اي وقت مضى، الى ترسيخ علاقاته العربية والاقليمية والدولية انطلاقا من مصالحه الوطنية العليا وانطلاقا من حاجته الى جهود وخبرات كل تلك الدول في اعادة اعماره، وفي اعادته الى حظيرة المجتمع الدولي كعضو فاعل محايد ايجابي في هذا المجتمع لا كما كانت الصورة السلبية عنه في فترة حكم نظام صدام حسين.
والحياد ليس جديدا على الساحة الدولية فالعديد من الدول اعلنت حيادها في فترات مختلفة منذ القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، ولعل من اقدم الدول المحايدة في العالم هي السويد التي لم تخض اية حرب منذ انهاء تورطها في الحروب النابليونية عام 1814 ، تليها سويسرا وهي من اهم الدول المحايدة حيث لا تستخدم قواتها الا للدفاع عن اراضيها وأمنها، ولم تشترك في اية حرب منذ اعلان حيادها في مؤتمر فينا عام 1815 ، وهناك دول اخرى محايدة مثل فنلندا وكوستاريكا وليختنشتاين والنمسا ، وايرلندا التي اعلنت حيادها عام 1922 وتركمانستان التي اعلنت الحياد الدائم واعترفت به الامم المتحدة.
والدولة المحايدة تمتلك صفة قانونية تمتنع بموجبها عن المشاركة في اي حرب او نزاع بين البلدان الاخرى ويكون هذا البلد المحايد على مسافة واحدة من جميع البلدان المتصارعة ولا بد من ان تعترف تلك الدول بحيادية هذه الدولة المحايدة .
   ومن هنا نخلص الى ضرورة ان يعلن العراق في الوقت الراهن حياده التام والكلي من النزاعات الدولية والاقليمية كي يعطي لنفسه فرصة لاعادة بناء ما دمرته الحروب الطاحنة التي خاضها طيلة اكثر من عقدين متتاليين ولا بد من الاشارة الى ان الحياد بالنسبة للعراق يجب ان لا يعني الانكفاء الكلي عن الساحة الدولية والاقليمية بل لا بد من ان ينخرط العراق في الجهود الدولية لحل النزاعات بالطرق السلمية وجهود الامم المتحدة التي تصب في ذات الاتجاه من خلال تضييفه او مشاركته في المؤتمرات الدولية الرامية الى حل المشكلات الدولية عبر الطرق السلمية خاصة وان العراق سبق وان استضاف في منتصف العام الجاري مؤتمر (5+1) بين ايران والدول الكبرى بشأن ملف ايران النووي ، ولا بد من الاشارة ايضا الى ان لدى العراق امكانيات وكفاءات دبلوماسية وقدرات مالية تؤهله لأن يكون وسيطا محايدا لحل النزاعات الدولية بالاشتراك مع الدول المنخرطة في هذه الجهود، فضلا عن المشاركة في جهود الاغاثة الدولية في حالات الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها البلدان الاخرى.  

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب