23 ديسمبر، 2024 8:08 م

العراق وسياسة (بعير اكل بعير)

العراق وسياسة (بعير اكل بعير)

وهذا اعرابي قد جلب بعيرين محملين، فكسدت تجارته ، وخشي ان يعود الى اهله خالي اليدين، فباع احد البعيرين ليتبضع بثمنه، وجاء بكيس النقود ووضعه قرب البعير الآخر، وفي غفلة منه التهم البعير كيس النقود، فرجع الى اهله خائبا، وعندما سألوه اين بعيرك الثاني؟ قال: بعير أكل بعير، سياسة اللعب على الحبلين باتت واضحة ولاتحتاج الى تحليل سياسي، الحكومة تريد ان تخرج من ازمة الانبار بأقل الخسائر، وكذلك تريد ان تحفظ ماء وجهها، وبحسب سياسة الملفات المحفوظة التي ينتهجها المالكي هناك ملف الاخوة الكرد، علق النظر في قضية الانبار لانها خرجت عن حدود المعقول وانكشفت نوايا القوم في استقبال الجيش الحر والنصرة والقاعدة، فرأى المالكي ان يحتفظ بعلاقاته مع الحليف الاصلي الذي ربما شاركه في يوم من الايام معاناة القهر والحرمان والقتل والاعدامات في زمن صدام حسين، والمالكي لاحظ ان كل الشعارات القومية التي رفعها ومساندة مصر ومساعدتها باربعة مليارات دولار لم تثنِ شيخ من شيوخ الازهر عن تكفير الشيعة وشتمهم، فحاول ان يغادر مربع القومية الى مربع العراقية وابتدأ باصلاح مافسد من علاقاته مع الكرد وقرر ان يكون اجتماع مجلس الوزراء الآتي في اربيل تقديرا لعودة الوزراء الكرد الى حقائبهم.
جميعنا يعرف ان السياسة هي فن مغادرة الاماكن للفوز بتأييد الشعب او الفوز برضا الحليف الستراتيجي، ولا اعتقد ان هناك حليفا ستراتيجيا للشيعة في العراق سوى الكرد، وموقف المالكي بتعويض الكرد وموازنتهم ينبع من هذا التصور، وكان الاحرى بالمالكي ان يعطي الاربعة مليارات الى الكرد كنفقات الاتفاقات مع الشركات النفطية التي تعمل في كردستان، بدل ان يعطيها لمصر(العربية) ، ولكنه أخطأ وسرعان ماتدارك خطأه؛ منذ نشوء ازمة الحكومة مع حكومة كردستان لم نر كرديا واحدا هدد برفع السلاح او لجأ الى اساليب السب والشتم وتكفير الآخر، فعلى اي الاسس يتمسك المالكي بالعروبة وهي اول من ينظر اليه والى مكونه بشوفينية واضحة، ولذا تسرع في سحب لواء 16 من ديالى ليكون بمقدور الكرد حماية هذه المناطق التي كانت تسمى المتنازع عليها. لم يعد باستطاعة اي عربي ان ينادي بالشعارات القومية بعد احداث سوريا والعراق، لان السلوك الطائفي بات هو سيد الموقف والشعارات الطائفية هي من تتصدر ادمغة الناس ويافطاتهم التي يحملونها لتظهر من على شاشات الفضائيات، وبحسب حكايتنا الآنفة فأن التاجر سيبقى هو ذاته في حين ان بعيرا سيأكل بعيرا آخر، والرجل لايحتاج الا لبضعة تبريرات ربما تكون يسيرة في عرف السياسيين ولا اعتقد ان المالكي سوف يخسر شيئا في هذه التحويلة السريعة، بل على العكس سيحصد من خلف رضا الكرد عنه تأييدا شعبيا وتأييدا في اوساط المثقفين الذين طالما رأوا ان الكرد امة مناضلة وشعبا مكافحا وقف ضد جبروت الطغاة من صدام الى ابعد طاغية حاول تهميش هذا الشعب الرائع، وابعاده عن ساحة الاحداث، وبعد كل هذا فان الكرد يقودون تجربة ناجحة في كردستان، تجربة نظر اليها القاصي والداني باعجاب كبير، لتكن شعارات المالكي عراقية وليبتعد عن العرب والعروبة لانها لم تأت للعراق سوى بالمفخخات والفتاوى العفنة، وربما سيحصد العراق نتائجا جيدة من عمل المالكي هذا في دعوته الى ان يأكل بعير بعيرا، ونحن نمتلىء بالامل ان التحالف مع الكرد سيستمر لنحظى برئيس كردي يخرجنا من عنق الزجاجة ويبعد عنا شبح الكهرباء المقطوعة.