عندما تستهدف شركة صناعية أو خدمية سوقاً ما للسيطرة عليه وإخراج المنافسين منه فإنها تلجأ إلى طرح منتجاتها فيه بسعر أقل من المنافسين وبنفس النوعية وبكميات كبيرة، أو طرح بضاعة ذات نوعية أفضل وبنفس السعر، وبذلك يتحول المستهلكون إلى منتجاتها تاركين المنتجات المنافسة للكساد، لأن المنافسين يعجزون عن مجاراتها فيخرجون من السوق لتهيمن عليه و تبدأ بفرض الأسعار التي تريد دون أن يعترض عليها أحد فهي المتحكم في السوق ومحتكره ،ولا خيار أمام المستهلك سوى الرضوخ لها. هذا ما تفعله الشركات ولا هدف لها إلا الربح ، و هذه السياسة تدعى في علم التسويق بــ (سياسة الإغراق). ولقد فطنت الدول إلى هذا الأمر ولكن هدفها ليس تجارياً أو تسويقياً أو ربحياً ، بل إن ذلك يتم في إطار سياسي أو إنه أحد الوسائل التي تستخدمها في الصراع مع الدول الأخرى أو لتحقيق أهداف ليست اقتصادية . إن ذلك ما قامت به اليابان في الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات عندما اغرقت السوق الأمريكية بل وكل اسواق العالم ببضاعة رديئة ولكنها رخيصة جداً كان الأمريكان يسمونها الـــ (Joke) أي النكتة لرداءتها ومع ذلك هيمن اليابانيون على السوق الأمريكية بعد أن حسنوا النوعية كثيراً حتى أصبحت البضاعة اليابانية عنواناً للجودة ، واليوم تقوم الصين بإغراق العالم كله بالبضاعة الصينية رخيصة السعر ومنخفضة النوعية . إن هذا هو مقدمة لنقول إن العراق يتعرض اليوم لساسة إغراق محمومة من كل جيرانه الذين حاربوه بالأمس بالسلاح ولكن الحرب تحولت إلى حرب اقتصادية . كل الدول المحيطة بالعراق تمارس هذه السياسة للسيطرة على السوق العراقية ووراء ذلك أهداف سياسية خاصة بكل منها على حدة، عندما كانوا يحاربوننا بالسلاح قاتلناهم واليوم يحاربوننا بالاقتصاد ونعينهم دولةً وأفراداً .
فما معنى أن يستورد الماء مثلاً من الكويت ، من الصحراء إلى بلاد النهرين العظيمين ؟
لماذا يستورد التمر من إيران رغم إن العراق هو البلد الأول في انتاج تمور لاتحصى أنواعها ولا تضاهى جودتها ؟
لماذا يستورد الحليب ومشتقاته من السعودية وتركيا وإيران واليونان في حين يمتلك العراق ثروة حيوانية هائلة؟
لماذا تستورد الفواكه المتنوعة من مصادر غير معروفة وربما من إسرائيل، في الوقت الذي تموت فيه بساتين ديالى وكربلاء وبلد والضلوعية وتنتشرفيها امراض لا تعالج؟ لماذا تتوقف كل مصانع العراق وتصدأ ونستورد حتى صنادل البلاستك الرخيص من كل المناشئ؟ لماذا نستورد المشروبات الغازية من كل الدول ونحن الذين كنا ننتج ( النامليت ) منذ الأربعينات من القرن الماضي؟ ولماذا يظل العراق سوقاً مفتوحة لكل من هبَّ ودبَّ من المستوردين والمصدرين ونهازي الفرص؟
يذهب الفلاحون بإنتاجهم إلى العلاوي فيطرح إنتاج مماثل من إيران أو الأردن أو إسرائيل بنصف السعر فتكسد بضاعة الفلاح ويعود خائباً مفلسا ً.تنتج الشركة العامة للأدوية في سامراء أدويتها المشهود لها
بالجودة من قبل كل الأطباء وترفض وزارة الصحة استلامها فتظل حبيسة المذاخر والمخازن حتى تفسد،تتوقف كل المصانع بحجة عدم قدرتها على تحقيق الأرباح وتُملأ السوق ببضائع سيئة النوعية.
كل دول العالم تحمي انتاجها وتدعم منتجيها إلا هنا في العراق فالدولة لاتقوم باي إجراء لحماية المنتج الوطني أو دعمه أو القيام بأي تصرف لمواجهة هذه الحرب . هم إما أغبياء لايحسون بما يجري حولهم أو إنهم مشاركون في هذه الحرب لمصلحة الآخرين ضد بلدهم.
ولا زال المواطن سلبياً تجاه هذه الظاهرة ، المفروض به أن يمتنع عن استهلاك البضائع الأجنبية التي يمكن انتاجها محلياً ، ولكننا لم نر احداً يفعل ذلك، ولم نسمع عن اتحاد أو نقابة أو منظمة عملت على توعية الناس بمخاطر ذلك . في فرنسا تجمع الفلاحون وسدوا الطرق وألقوا بالفواكه والخضراوات الأسبانية في الشوارع واتلفوها لأنها هددت الإنتاج الفرنسي ، لم يقم اتحاد الجمعيات الفلاحية بأي جهد مماثلٍ مثلاً لحماية أعضائه الفلاحين.لم تقم وزارة الزراعة ولا وزارة التجارة بأي خطوة لحماية المنتج الوطني.الدولة ( إن كانت هناك دولة) في وادٍ والاقتصاد الوطني ومصلحة الوطن وأمنه الغذائي في وادٍ آخر.
ونعود للقول إن كل ذلك من فعل الأمريكان الذين جعلوا العراق ساحة مفتوحة للجميع وألغوا الضرائب الكمركية وكل القيود على الاستيراد وفتحوا حدود العراق على مصراعيها ولم يأت بعد من يغلقها أو على الأقل أن يراقبها. فيظل اقتصادنا في مهب الريح وثرواتنا منهوبة ومستقبلنا مهدد.